العدد 4803
الأربعاء 08 ديسمبر 2021
banner
موسكو - بكين... في مواجهة واشنطن
الأربعاء 08 ديسمبر 2021

على مدى العقود الأربعة التي واكبت الحرب الباردة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظل الصراع بين موسكو وواشنطن على بكين، ومن يقدر له أن يكتسبها إلى صفه، ليعزز موقعه وموضعه على خارطة النفوذ الجيو استراتيجي الأممي. يلاحظ المراقب للشأن الدولي أن بكين كانت بيضة القبان ورمانة الميزان، لما لها من حضور ونفوذ جغرافي وديموغرافي، ولهذا فإن واشنطن وفي زمن إدارة ريتشار نيكسون عملت جاهدة على التقارب مع بكين، وقد كان بطريرك السياسة الخارجية الأميركية، هنري كيسنجر، هو صاحب رؤية الدنو من الصين عبر ما عرف وقتها باسم دبلوماسية "البنج بونج". كان الهدف الأهم لإدارة نيكسون، فصل وفصم العلاقات الروسية الصينية، بل والأكثر من ذلك محاولة جعل بكين خنجرا في خاصرة موسكو الشيوعية. نجحت الدبلوماسية الأميركية في هذا السياق بدرجة أو بأخرى، ومع سقوط الاتحاد السوفييتي والتفكك الذي أصاب أوصال حلف وارسو، فقدت الصين تلك الحظوة في أعين صانع القرار الأميركي.
خلال ثلاثة عقود من الصعود الصاروخي للصين بدا وكأن سلم الأولويات الأميركية قد تبدل وتعدل، لذا باتت واشنطن راغبة في تقريب موسكو منها بهدف مواجهة الصين، وتجلى ذلك بشكل واضح خلال إدارة الرئيس ترامب اليتيمة، وقد كثر التساؤل لماذا يقترب الرجل من الروس؟ وكان الجواب الذي أدركته النخبة هو أن الهدف الرئيس مواجهة الصين، ومحاولة وضع العصا في دواليب العلاقات الروسية – الصينية المتنامية. 
قبل بضعة أيام تحدث القيصر بوتين عمن أسماهم أولئك الذين حاولوا إخافة موسكو من خلال التلويح بالصعود الصيني، ومضيفا: لقد صرنا أصدقاء بل أقرب ما نكون إلى الحلفاء. بوتين كان يشير إلى التقارب الروسي الصيني الملاحظ من الجميع حول العالم، لاسيما في ظل المصائب "التي تجمع المصابينا" على حد قول الشاعر.
باختصار غير مخل لقد أدرك الروس والصينيون أن الأميركيين يسعون إلى تطويق شرق آسيا من خلال قوسين، عسكري يتمثل في تحالف أوكوس الأميركي البريطاني الأسترالي، وسياسي عبر حلف كواد الذي يجمع اليابان والهند، الدولتين الآسيويتين باقتدار.
في مواجهة الأحلام الامبراطورية الأميركية التي لا تنفك تسعى لقيادة العالم عبر الهيمنة والقوة الخشنة، بات التحالف الروسي الصيني أمرا واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة. 
يلفت الباحث في معهد دراسات الشرق الأقصى التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فاسيلي كاشين، إلى أن العلاقات الثنائية بين البلدين تعد في أقوى حالاتها منذ الخمسينات، والأهم من ذلك أن لموسكو وبكين موقفا مشتركا فيما يتعلق بالنظام العالمي، فالدولتان لا تحبذان نظاما تقوده الولايات المتحدة، لذا فإن هذه الشراكة الوثيقة بين روسيا والصين تستند إلى المعارضة المشتركة لتلك المنظومة المعولمة بملامحها المغرقة في الأميركية.
على أن علامة الاستفهام: "هل هذا التحالف الثنائي الجديد والوليد، تحالف جوهري له جذور عميقة كما الحال بين بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية؟
بالقطع الأمر مختلف اختلافا جذريا، فبين روسيا والصين عداوات تاريخية وحالة من انعدام الثقة، والجميع يعلم أنه من غير القوة والمنعة العسكرية الروسية لفكر الصينيون في ابتلاع روسيا.
هنا يمكن أن ينشأ تحالف براجماتي مؤقت لمجابهة واشنطن وحتى إشعار آخر، مع الحذر واليقظة الواحد للآخر.
إنها السياسية حيث لا صداقات دائمة أو خلافات ممتدة، بل مصالح على طول الخط.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .