العدد 4840
الجمعة 14 يناير 2022
banner
إهمال العرب مبدعيهم أحياء.. وتكريمهم أمواتا
الجمعة 14 يناير 2022

كتبت ذات يوم الأديبة الرائعة غادة السمان عن ظاهرة إهمال العرب بصورة عامة مبدعيهم أحياء وحرصهم على تكريمهم أمواتا، حيث قالت: “سيخرج إلي الفنان الذي تخيلت أنني أحاوره من قبره، وسيحدثني كيف عاش موته، كيف مات عشرات المرات خلال حياته، سيروي لي حكاية موته الأول وموته الثاني وموته الثالث وموته الرابع، وقيامه كل مرة من رماده، ثم سيروي لي حكاية موته الأخير حين انفجر بطريقة ما، مريضا أو منتحرا أو مقتولا. أفكر أيضا بمئات الموهوبين العرب الذين لم تتح لهم الفرص ليخبرونا كيف عاشوا حياتهم، لأنهم ببساطة لم يعيشوا حياتهم، لو يولدون.. أجهضت موهبتهم قبل أن تولد، تم اغتيالها في ظلام اللامبالاة والهدر أو تحت أضواء الجري وراء العيش بسلام، أقول ذلك ليس للتشهير ببعض مجتمعاتنا التي تهدر مبدعيها، إنما للتحريض على حفظ ما تبقى منهم أحياء، ومن سيولد منهم فيما بعد”.
لقد لخصت السمان كل ما يملأ نفس المبدع العربي من إحساس بالغربة والمنفى وهو في ذروة عطائه في بلده ومجتمعه، يتعرض للخيبة والسقوط ويعيش يائسا، وبعد أن يموت نحلق به بعيدا بالكواكب، ونخترع له تكريما يحضره أهله وأصدقاؤه بينما روحه تسألنا بشوق.. لماذا لم تكرموه وتحتفوا به عندما كان معكم وبينكم على قيد الحياة؟ إنني أستميحكم عذرا، تكريمكم ليس مقبولا لأنه لا يشعر به ولا يبعث على الطمأنينة والراحة والصفا.
كم من أديب ومبدع عربي أغلق على نفسه النوافذ واجتر أحزانه وتألم بداخله وانفصل عن الآخرين نفسيا وروحيا من “الإهمال”، ثم مات ورمي كقشرة البرتقال على الطريق، وصل إلى مسمعه وهو في القبر “عن طريق حارس المقبرة” أن الجهة الفلانية ستقيم له حفلا تكريميا بالإمكانيات المتاحة لأنه يستحق ذلك، خلال حياته لم يسمع كلمة من أحد، وبعد مماته تطرز حول قبره ولحد الختام كلمات الإطراء وتقام الحفلات وتصمم الدروع لأقربائه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية