العدد 4844
الثلاثاء 18 يناير 2022
banner
د.حورية الديري
د.حورية الديري
الشرود الواقعي
الثلاثاء 18 يناير 2022

تتعدد حالات الشرود التي يحتاجها الإنسان في حياته، وغالبًا ما تكون حالة طبيعية يلجأ إليها العقل البشري بعد حصوله على إشارات عدة مصدرها المشاعر والسلوكيات، خصوصا عندما نتحدث عن الشرود البصري أو الذهني أو الفكري، لذلك تأتي كبسولة التركيز كأفضل مضاد للتصدي وتقوية المناعة.


اليوم سأتحدث عن حالة شرود الإنسان عن نفسه، باعتبارنا نتشابه في ذات المواقف والتجارب المسببة للحالة، ونختلف في توقيت استخدام الكبسولة المناسبة لإعادة حالة الاستقرار بعد الشرود، والتي يمكنني تسميتها بحالة “الاضطراب المؤقت” الذي قد يمر به الإنسان.


كثيرًا ما تتردد علينا مواقف الحياة السعيدة ونقرر شرودنا كي نبقى في استحضار لحظاتها، في حين يتطلب شرودنا من المواقف المؤلمة الذهاب إلى مكان ما بعيدًا عن مصدرها أو أي مصدر يذكرنا بها، لكي نرتاح، أو ننسى، أو نخفف الضغط، آملين أننا سنعود إلى ممارسة حياتنا اليومية بكل راحة، لكن هناك حالة أخرى من الشرود تتمثل في انفصال الشخص عن طبيعته، وسلوكه المعتاد، ولغة جسده، وخبراته العملية، وينسى حتى أصدقاءه وعلاقاته في العمل، وكثيرًا ما تحصل هذه الحالة في أوقات الإجازات القصيرة أو السنوية التي يترقبها الأشخاص الذين يستغرقون أوقاتًا طويلة في العمل والدراسة، وهنا تكمن المشكلة في حالة استمرار مرحلة الشرود، حيث نبقى على اتصال مستمر مع مركز الشرود ونتخيل ذاك المكان الهادئ، والمنظر الجميل، والجو المتعاطف، وتلك الأصوات الهامسة، والأضواء الخافتة، وكأننا في عالم الأحلام الذي طالما رسمناه في مخليتنا التي لا تبرح عن مساعدتنا في كل موقف، وعليه قد نرفض الواقع والتكيف مع ما يحصل من جديد، ونظل نساير الوقت حتى يمضي فنعود لشحن الطاقة من جديد في ذات المكان.


هنا أقول: “المعذرة” لكل من يفعل ذلك باستمرار، لأن الإنسان عندما ينفصل عن ذاته والواقع المحيط بين فترة وأخرى، فإنه يدخل ويخرج بصورة مؤقتة من حالة الاضطراب التفارقي، وهذه العملية قد تفيد الشخص في بداياتها وعلى المدى القصير، لكن انعكاساتها السلبية أكبر على المدى البعيد، حيث تسبب للشخص حالة من الغربة عن الواقع، وهذه المرحلة غير مجدية للإنسان، لأنها تجعله كالذي يراقب نفسه من خارج جسمه، وكأنما يشاهد فيلمًا سينمائيًا، كما يفقد صلته بالأماكن أو الأشخاص وكأنه يراهم أول مرة.


كلمة أخيرة: “لكل مرحلة من حياتنا نكهة مختلفة وما أجمل أن يكون الشرود الواقعي مع أنفسنا لأنفسنا”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية