العدد 4852
الأربعاء 26 يناير 2022
banner
الأسماء المركبة وانتحال أسماء القبائل والعوائل
الأربعاء 26 يناير 2022

بدأت الكتابة في هذا المقال منذ فترة، وتوقفت عن إكماله بسبب الانشغال في أمور أخرى. وقد حفزني على إكماله مقال سعادة الأخ عبد النبي الشعلة الذي نشرته صحيفة “البلاد” في عددها الصادر يوم الأحد 23 يناير 2022م، تحت عنوان “التطرف والمتطرفون والأسماء المركبة.. وقصة عبد الرسول سياف”. وكانت مقالة رائعة اعتمد فيها على كثير من المصادر المتعلقة بالتاريخ الإسلامي الحنيف، كما اعتمد فيها على حقائق عززت مقالته.


تنقسم مقالتي إلى شقين، يتحدث الشق الأول عن الأسماء المركبة التي منها على سبيل المثال محمد علي، محمد حسن، محمد جعفر وهي أسماء مكونة من اسمين. الاسم الأول تبركًا باسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والاسم الثاني مشتق من أسماء الأئمة من آل البيت. كما أن الأسماء المعبدة والتي منها على سبيل المثال عبد الرسول، عبد الحسين، تأخذ نفس النهج السابق، وقد أخذت هذه الأسماء التي كانت منتشرة حتى أواخر عقد الخمسينات من القرن العشرين في التقلص اعتبارًا من ستينات القرن الماضي.


إن تسمية الأبناء هي حق طبيعي مكتسب للأبوين لا ينازعهما أحد في ذلك، وهذا الحق توارثته البشرية منذ أن سادت اللغات بينهم قبل وأثناء حدوث الحضارات القديمة، فأخذوا يطلقون الأسماء من أجل التفريق بين الأشخاص. وقد توارثت البشرية إطلاق الأسماء على الأبناء حتى يومنا هذا، وسيستمر هذا العرف حتى قيام الساعة.


وعلينا جميعا أن نعي حقيقة في غاية الأهمية لا يمكن نكرانها، تتمثل في فرض الأبوين جملة من الأمور على أبنائها منذ الولادة كالاسم، واللغة واللهجة، والدين والمذهب، والعادات والتقاليد. فقد فرض الآباء علينا جميعًا تلك الأمور، وقمنا نحن بفرضها على أبنائنا.


إن اختيار وفرض الاسم واللغة واللهجة والدين والمذهب والعادات والتقاليد على الأطفال، لا تتوقف عند أمة بعينها، بل هي حقيقة منتشرة بين جميع بني البشر في جميع قارات الأرض. فمن ولد وسط أسرة مسيحية كاثوليكية أو بروتستانتية، فستفرض عليه لغة الأبوين ودينهما ومذهبهما وتقاليدهما. وكذلك الحال بالنسبة للأسر المسلمة والأسر اليهودية، والأسر التي تؤمن بالأديان الوضعية كالبوذية والهندوسية وغيرها.


إنه لمن المستغرب حقا أن نرى نزاعات طائفية بين أبناء الدين الواحد، متناسين أن الاختلاف في المذاهب أمر طبيعي وحقيقة يجب الإيمان بها كالإيمان باختلاف اللغة والتقاليد الموروثة.


فقد أدى الصراع المذهبي في أوروبا بين البروتستانت والكاثوليك إلى تمزيق تلك القارة في القرن السابع عشر الميلادي، وتورطت دول أوروبا في الحرب المعروفة بحرب الثلاثين عاما التي وقعت بين العامين 1618م و1648م وأدت إلى هلاك الملايين من سكان أوروبا. فقد فقدت ألمانيا لوحدها حوالي نصف سكانها في تلك الحرب المدمرة.


إن النزعات الطائفية بين أبناء الدين الواحد، هي أخطر النزاعات وأشدها فتكًا في تدمير المجتمعات وتخريب البلدان التي تكتوي بها. فقد يعتز الإنسان بحسبه ونسبه وجنسه وعقيدته، ولكن عليه ألا يصل إلى حد التباهي على الآخرين، ويعتبر جنسه ومعتقده الأفضل على وجه البسيطة، ومذهبه الفرقة الناجية، فتأخذه العصبية بعيدا عن الواقع وعن فطرة التسامح التي نادى بها نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


لقد عاشت الأمة الإسلامية في مختلف الأمصار بعد وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وبعد وفاة الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم ردحا من الزمن دون وجود مذاهب إسلامية. ولم يكن أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي شيعيا أو سنيًا، بل كانوا مسلمين دون مذاهب. وكذلك كان المسلمون في جميع الأمصار الإسلامية أثناء عهد الخلفاء الراشدين جميعهم دون مذاهب أيضا.


برزت المذاهب الإسلامية في نهاية الدولة الأموية وفي عصر الدولة العباسية. وإن أول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة هو الإمام ابو حنيفة النعمان الذي ولد العام 80 هـ وتوفي العام 150 هـ. أما الأئمة الثلاثة رضوان الله عليهم فهم: مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي، ولد سنة 93 هـ وتوفي سنة 179 هـ، وأحمد بن حنبل صاحب المذهب الحنبلي ولد العام 164 هـ وتوفي العام 241 هـ، والإمام الشافعي ولد العام 150 هـ وتوفي العام 204 هـ.


واعتمد الشيعة الاثني عشرية على الأئمة الاثني عشر من آل البيت، وعرفوا باتباع المذهب الجعفري نسبة إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق رضوان الله عليه. فقد ولد العام 83 هـ وتوفي العام 148 هـ وكان فقيه زمانه فنسب إليه المذهب الجعفري.


وحري بالذكر أن جميع أتباع المذاهب الإسلامية على اختلافها تؤمن بأركان الإسلام الخمسة وهي: النطق بالشهادتين، وأداء الصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان وحج بيت الله الحرام، وإيتاء الزكاة.


يتمثل الشق الثاني في انتحال أسماء القبائل والعوائل، وهذا مرفوض جملة وتفصيلا، ولا يمكن القبول به مطلقا. فالطفل الذي يولد ويفرض عليه اسمه ولغته ودينه ومذهبه، يستطيع عندما يصل إلى سن الرشد أن يغير ما يخصه كاسمه وحتى دينه أو مذهبه، إلا أنه لا يمكنه أن يغير اسم أبيه أو عائلته أو قبيلته لينتسب إلى أب أو قبيلة أو عائلة أخرى فهذا ليس من حقه مطلقا.


إن انتحال اسماء العوائل والقبائل ليس بالجديد وإنما عرف أيام العرب في الجاهلية وحتى في العصر الإسلامي. وإن أول من عمل على إيقاف ظاهره انتحال اسماء القبائل والعوائل هو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد شاهد بروز تلك الظاهرة من أجل الانتفاع الشخصي من وراء انتحال اسماء العوائل والقبائل المشهورة.


 ومن أجل المحافظة على الأنساب وعدم تداخلها واختلاطها، فقد طلب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كبار نسابي العرب وهم حبر الأمة عبد الله بن عباس، وجبير بن مطعم ومخرمة بن نوفل، أن يدونوا له أسماء القبائل للمحافظة على نقاء كل قبيلة، وبالتالي القضاء على ظاهرة انتحال اسماء القبائل وبخاصه القبائل التي كانت لها شهرتها ووجاهتها.


إن الانتماء إلى القبيلة أو الأسرة من شأنه التمسك بالأصول التي ينحدر منها الأشخاص. وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
 والعبرة هنا ليس التفاخر بالأنساب بقدر ما هو المحافظة على تسلسل شجرة العائلة. فقد أصاب الشاعر الذي قال:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا يغنيك محموده عن النسب.


إن المحافظة على الأنساب تمثل قيم الإسلام في مجال احترام أسماء الأسر والقبائل، وما تفرع منها من بطن وفخذ وفصيلة. كما أن تعاليم الدين الإسلامي تحث على التمسك بأسماء الآباء وعدم الانتساب لغير الأب أو القبيلة، فإن الانتساب لغير الأب إثمه كبير. فقد روي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر). وهذا الحديث (متفق عليه) برهان ناصع وجلي في حث الجميع على التمسك بأسماء الآباء باعتبار التمسك بهم يعني التمسك باسم الأسرة أو القبيلة التي ينتمي إليها الآباء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .