العدد 4856
الأحد 30 يناير 2022
banner
سفارة الإمام المهدي المنتظر والفتنة بين المسلمين 1-2
الأحد 30 يناير 2022

ثمة صراع خطير وعنيف، عقائدي في مظهره سياسي مالي في جوهره، خفي في بعض تجلياته وعلني في الكثير منها، محتدم الآن (أو بالأحرى حتى الآن) في المكون الشيعي البحريني بين من يعرفون بـ “جماعة السفارة” أو “جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية” والمتصدين لهم، والذي يجب على المعنيين والغيورين على مصلحة هذا الوطن أن يدركوا أبعاده وتداعياته الخطيرة على المجتمع البحريني برمته؛ ما يفرض في هذه المرحلة ضرورة متابعته ورصده بكل دقة وحذر، وسرعة مواجهته قبل أن يستفحل ويخرج عن السيطرة.
القصة تبدأ من عقيدة أو إيمان الشيعة الاثني عشرية بأن الإمام الثاني عشر المهدي بن الحسن قد اختفى وغاب عن الأنظار في العام 260هـ / 873م، وهو لا يزال حيا، وسيظهر قبل نهاية العالم “ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا”، وغيبته تنقسم إلى مرحلتين، الغيبة الصغرى بدأت في العام 260هـ وانتهت في العام 329هـ، وهو العام الذي بدأت فيه الغيبة الكبرى والتي لا تزال مستمرة حتى الآن، وهذه العقيدة تقع في صلب المذهب الاثني عشري.
أثناء غيبته الصغرى تواصل الإمام المهدي مع شيعته بالرسائل ومن خلال أربعة سفراء عينهم الواحد تلو الآخر، والذين كانوا يبلغونهم توجيهاته وإرشاداته وردوده على أسئلتهم، كما كانوا يجمعون الأموال والهدايا والعطايا والهبات والأخماس والزكاة؛ ليسلموها إليه أو ينفقوها حسب توجيهاته، وهو أمر أو دور مهم ستتضح أهميته لاحقا في هذا السياق.
وبعد الغيبة الصغرى، حسب المعتقد الشيعي، انقطع الإمام عن التواصل مع شيعته ولم يعين سفيرا له، وقال في آخر رسائله إن من يدعي ذلك “فهو كاذب مفتر”، وبذلك اضطلع العلماء والفقهاء الشيعة بمسؤولية التشريع والإفتاء والمهام الدينية نيابة عنه إلى جانب استلام الأموال والأخماس وصرفها في الأوجه المقررة شرعا لذلك، كما التزموا (حتى عهد قريب) بنظرية تجنب وحرمة تعاطي السياسة والحُكم في فترة الغيبة إلى أن يعود الإمام ويقيم دولته.
ونظرا لما كان للسفراء الأربعة من تقدير وتبجيل ومكانة رفيعة عند الشيعة وما كانوا يتمتعون به من صلاحية لاستلام الأموال والأخماس المستحقة للإمام، فقد ادعى عدد غير قليل منهم في أماكن وأزمنة مختلفة أنهم قد التقوا الإمام وأنه عينهم نوابا وسفراء له.
شخص مغمور، متأخر في تحصيله الأكاديمي، ومتواضع في إمكاناته الفكرية والثقافية، وفقير معدم في قدراته الفقهية كان قد أودع السجن في ثمانينات القرن الماضي لنشاطه السياسي المحظور في البحرين؛ هذا الشخص ادعى أن الإمام المهدي المنتظر صار يزوره في المنام بانتظام وهو في السجن ويسدي إليه توجيهاته وإرشاداته، ثم قام بتعيينه أو تنصيبه نائبًا أو سفيرا له، وكلفه بإصلاح وتجديد الدين الإسلامي، وطبعًا كلفه أيضًا بجمع الأموال والأخماس المستحقة له، ولذلك فإن رسالة هذه الجماعة بدأت وظلت حتى الآن تدعو إلى إلغاء دور المرجعية والفقهاء الذين يتولون أيضًا جمع الأموال؛ حتى تتمكن هذه الجماعة من الاستحواذ والانفراد بجمعها.
وقد قوبلت ادعاءات هذا الشخص بالاستهجان والاستنكار والرفض من قبل رجال الدين وفقهاء الشيعة، إلا أن السفير المزعوم قد استطاع في البداية أن يجمع حوله في داخل السجن مجموعة صغيرة من الموقوفين والمسجونين السياسيين من كوادر حزب الدعوة وغيره أو من السجناء المتذمرين المحبطين الذين كونوا بعد ذلك الحلقة الضيقة التي صارت ولا تزال تحيط به، وبعد إطلاق سراحه وسراحهم توسعت دوائر التابعين والمريدين، وشملت مجموعات من الشباب من الجنسين، أخذوا ينشرون دعوته وادعاءاته ويجمعون ويقدمون له العطايا والأموال، إلى درجة أن فتاة من أتباعه تنحدر من أسرة ثرية تبرعت للسفير بكامل حصتها من المبالغ الضخمة التي ورثتها، وهي واقعة حقيقية معروفة ومؤكدة وموثقة بالأسماء والأرقام، وقصة هذا السفير بحد ذاتها هي أغرب من الخيال، لكنها حقيقية أيضًا، وتوازي في غرابتها وخطورتها قصة المهدي المنتظر الذي اكتشفه جهيمان العتيبي، وقاد معه مجموعة من الأتباع المسلحين وهاجموا واستولوا بالقوة على بيت الله الحرام في العام 1980 وتم إبادتهم وإخراجهم منه، جماعة جهيمان كانوا يؤمنون بالتجديد و”بقدوم مجدد كل مئة عام”، وجماعة السفارة يؤمنون بالتجديد أيضًا! 
لقد استهانت السلطات المعنية بشأن وخطورة جماعة جهيمان وتغاضت عن تصرفاتها في بداية تكوينها، فكان ثمن تلك الاستهانة وذلك التغاضي باهظا.
ويقال إذا أردت لفكرة أن تنمو وتترسخ، فقاومها بعنف، وعلى هذا الأساس لعل الأسلوب الذي اتبع منذ البداية في مواجهة جماعة السفارة أدى إلى تصلبها ودفعها للعمل السري الخفي، وكما هو معروف، فإن الأفكار الغريبة تترعرع في الظلام، وإن بعض المخلوقات تتكاثر فيه.
وأمام الضغوط والتحدي ووراء أجنحة الظلام تحولت الجماعة إلى نوع من التنظيم السري، الذي لا يكشف عن أسماء أعضائه، والذي يطلب منهم من بين أمور كثيرة أخرى القسم بالولاء التام له قبل وفوق الولاء لأي شيء آخر.
وقد استمرت هذه الجماعة في التخفي والتستر والتوسع والعمل السري الدؤوب الهرمي المنظم، وعندما أطلق صاحب الجلالة الملك المفدى برنامجه الإصلاحي، والذي ارتكز على قيم الانفتاح والحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، وتضمن في خطط تنفيذه تشجيع إنشاء مؤسسات المجتمع المدني كدعائم للحياة الديمقراطية المرتقبة، وفي أجواء الحرية والانفتاح ظل السفير ولا يزال متخفيا، وخرجت جماعته إلى النور وأخذت في ترسيخ فكرها وإعادة هندسته وهيكلته، وزخرفته بأفكار مستعارة من مفكرين حداثيين وليبراليين وعروبيين وغيرهم، وتغطيته بأقنعة جديدة مختلفة؛ ما مكنها من استقطاب واجتذاب المزيد من الأتباع.
وعندما كنت وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية تقدمت الجماعة بطلب لتسجيل جمعية خاصة بهم تحت اسم “جمعية التجديد الإسلامي” موقَّع من عدد من الأفراد ليس من بينهم (سفير الإمام)، كما تلقت الوزارة اتصالات رجال الدين وغيرهم من الشيعة يطالبون بعدم تسجيلها وإضفاء الشرعية على ما تقوم به من أنشطة هدامة، حسب رأيهم، تمس جوهر معتقدهم وتسيء إلى رموزهم، ووصفوا فكرهم بالشذوذ والانحراف والضلال.
وكنت قد كتبت قبل عامين مقالاً بعنوان “سفير للإمام المهدي المنتظر في البحرين، ومهدي في السودان وآخر في السعودية” (يمكن للمهتمين الرجوع إليه في الأرشيف الإلكتروني لجريدة البلاد) تطرقت فيه بالتفصيل لملابسات، ثم صدور القرار الوزاري بتسجيل الجمعية في شهر فبراير 2002، ولكن بعد إزالة صفة “الإسلامي” من الاسم وتغييره إلى “جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية”، أي أن نشاطها منحصر في المجالات الثقافية والاجتماعية وليس الدينية، وكم كنت مخطئاً عندما قلت في مقالي: “بعد أن أُشهرت الجمعية وظهرت إلى فضاء النور وحيز العلن انطفأ بريق رسالتها وخفت صوت جماعتها، وتقلص عدد الأتباع والمريدين، ولم يبق منهم سوى من أخذته العزة بالإثم.”، فالحقيقة التي بدأت تتكشف يوما بعد يوم هي عكس ذلك، فقد ازداد عدد أعضائها وتوسعت أنشطتها وبرامجها وتحولت إلى “حركة” أو تشكيل شديد الغموض والتنظيم والانضباط، وبات جليا للجميع أن “جمعية التجديد” هي ذاتها “جماعة السفارة”، ولكن بثوب مزخرف.
وللحديث بقية غدا

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية