العدد 4869
السبت 12 فبراير 2022
banner
من وراء تخريب التمثال؟
السبت 12 فبراير 2022

من المعروف أن الأمير عبدالقادر الجزائري رمز وطني كبير تصدى بقوة لطلائع الاحتلال الفرنسي للجزائر في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ما عرّضه لانتقام هذا المستعمِر، إذ تم تسفيره إلى مدينة أمبواز الفرنسية وسُجن فيها أربع سنوات بعد أن حنثت فرنسا بوعدها له بأن تغادر سفينة ترحيله وعائلته إلى الاسكندرية للإقامة بمصر. 
وقبل أزيد من عام وبطلب من الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون أصدر المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا تقريراً حول ملف الحقبة الاستعمارية لبلاده في الجزائر وما سببته لشعبها من آلام وأضرار طوال 132 عاماً، ومع أن التقرير لم يلبِ شروط الحد الأدنى لتكفير فرنسا عن جرائمها في الجزائر، وفي مقدمتها رد الاعتبار لها بالتعويضات المستحقة، إلا أنه تضمن بعض التوصيات الرمزية ومنها بناء تمثال للأمير عبدالقادر في مدينة أمبواز التي اُعتقل فيها، وإذ تم إنجاز هذه التوصية، إلا أنه قبل ساعات من حفل التدشين أقدم مجهولون مؤخراً على تخريب الجزء السفلي للتمثال، ومع أن هذا الفعل العنصري المشين تعرض لتنديدات من كبار مسؤولي الحكومة الفرنسية وعلى رأسهم الرئيس ماكرون، إلا أن هذه الجريمة يصعب فصلها عن مناخ الكراهية وصعود الشعبوية السائد في البلاد تجاه العرب والمسلمين، وشيوع ثقافة نبذ الاعتراف بجرائم الماضي الاستعماري، ومن ثم ما يشكله التمثال في قلب مدينة فرنسية من تذكير بالوجه القبيح لذلك الماضي، بل لم تكن غائبة رموز الدولة بدءاً من رئيس الجمهورية عن المشاركة في تغذية ذلك المناخ، ففي خريف العام الماضي رفض ماكرون الاعتراف بوجود الشعب الجزائري أو “الأمة الجزائرية” عشية احتلال بلاده الجزائر، ما أثار غضب الجزائريين رسمياً وشعبياً، كما جرى في أكتوبر بباريس احتفاء رسمي رمزي بالذكرى الستين لجريمة الشرطة الفرنسية 1961 المتمثلة في قمعها الوحشي لمسيرة سلمية لآلاف الجزائريين راح ضحيته مقتل نحو 200 متظاهر اُلقيت جثثهم في نهر السين بدم بارد.
ومع أن فرنسا توعدت بتعقب مخربي التمثال إلا أن مثل هذه الأعمال مرشحة للتكرار في ظل تغييب مراجعة موضوعية جادة لتاريخ فرنسا بخيره وشره وإصدار تشريعات ملزمة باحترام نتائجها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية