+A
A-

البحرين والكويت.. امتزاج الدماء وملاحم الفداء

لو أردنا أن نتحدث عن طبيعة العلاقات بين البحرين والكويت لعجزنا عن استذكارها، ولكن وصفًا يمكن القول بأن علاقة البحرين بالكويت قيادًة وشعبًا ووطنًا هي بمثابة علاقة اللحمة باللحمة التي لا يمكن أن تنفك أواصرها وعلاقة الدم بالدم بعد أن امتزج الدم البحريني بالدم الكويتي في معارك تحرير الكويت.

تحت نيران الاجتياح العراقي الغاشم لدولة الكويت الشقيقة في أغسطس 1990، برز الموقف البحريني الشجاع والصريح والمبكر بإدانة العدوان، والدعوة إلى انسحاب النظام العراقي من الأراضي الكويتية بالكامل.

وكتب الموقف البحريني البارز فصول حكاية مشرفة في الوقوف مع الأشقاء في السراء والضراء، وتوفير أقصى أشكال الدعم والمساندة لهم، والدفاع عن أمنهم الذي هو من أمن كل الشعب الخليجي الواحد، حتى اختلطت دماء أبناء الشعب البحريني بدماء أشقائه الكويتيين، مسطرين بذلك أروع ملاحم الفداء والإيثار.

وكما جسد الغزو العراقي عدوانا صارخا على السيادة الكويتية ونهبًا لمقدراتها، شكل ذلك فرصة للتعبير عن صدق العلاقات الأخوية المتينة التي تجمع الكويت بمملكة البحرين، وانطلاقة نحو تعميق وتوطيد هذه العلاقات نحو آفاق أوسع، كما كان بمثابة اختبار لقوة المنظومة الخليجية التي أثبتت اقتدارها في الدفاع عن سيادة بلدانها.

وسجلت البحرين حضورها البارز في القرارات والمواقف الخليجية والعربية والإسلامية والأممية كافة، عبر تفعيل أدواتها الدبلوماسية، والتي أدار دفتها باقتدار وحكمة المغفور له بإذن الله تعالى سمو الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة – طيب الله ثراه – بدعم ومساندة الحكومة الموقرة وجهود وزارة الخارجية.

 

القلوب المفتوحة

ومنذ إعلان الاجتياح الغاشم، فتح أبناء البحرين قلوبهم وأبوابهم للأشقاء في دولة الكويت، كما سخرت الدولة إمكاناتها كافة لاستقبال الأشقاء وإيوائهم وتوفير كل سبل العيش الكريم لهم كأي مواطن بحريني، وهو ما يعكس القيم العالية والأخلاق الرفيعة التي تشكل سمة بارزة للهوية البحرينية المحبة للعطاء وحب التضحية والإيثار، لشعب شقيق كريم تربطه بالشعب البحريني أواصر الدم والمحبة والفداء.

وكان مشهد احتضان مملكة البحرين حكومة وشعبًا للعائلات الكويتية التي قصدت البحرين خلال الاجتياح العراقي الغاشم، والتي قدر عدد أفرادها بنحو 12 ألف فرد، وشكلت لهم لجان عديدة لمتابعة شؤونهم، أحد أروع صور التلاحم والتضامن بين الأشقاء، والعطاء بلا حدود.

وبرز حرص الحكومة على معاملة الأشقاء من أبناء دولة الكويت كمعاملة البحرينيين، من خلال مساواتهم في الخدمات التعليمية والصحية وغيرها كافة، كما سجلت المنظمات الأهلية والنوادي حضورًا مميزًا في المساهمة في توفير كل أشكال الدعم للأشقاء خلال الغزو وما بعد التحرير، من خلال تقديم الدعم الطبي أو إصلاح البنية الأساسية لدولة الكويت الشقيقة.

 

امتزاج الدماء

وتجلى دور قوة دفاع البحرين بقيادة عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والذي كان حينها وليًا للعهد وقائدًا لقوة دفاع البحرين، بفروعها البرية والجوية والبرية كافة، في حرب تحرير الكويت، لتمتزج دماء جنود مملكة البحرين مع أشقائهم من دولة الكويت، راسمة لوحة مشرقة من التفاني والتضحية من أجل رفعة وازدهار بلداننا، وترسية الأمن والاستقرار فيها، والوقوف صفًا واحدًا بوجه كل من يحاول العبث بمقدرات أبنائها.

لقد ترك الموقف البحريني التاريخي مع أبناء دولة الكويت الشقيقة ذكرى مشرفة ستبقى عنوانًا للعلاقات الأخوية الوطيدة التي تجمع البلدين الشقيقين حكومة وشعبًا، ودعامة لتعزيز ركائز النهضة الشاملة في البلدين، والقائمة على نهجٍ قويم رسخه الآباء والأجداد، وفي ظل جهود مستمرة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين والأجيال القادمة.

 

التاريخ المشترك

وكان للتاريخ المشترك والقرب الجغرافي والترابط الأسري والقبلي بين أبناء البلدين دوره المؤثر والفعال في تميز الموقف البحريني وجهودها في فترة الغزو الغاشم، وأثره على الانتصارات التي أدت إلى اندحار العدوان وتحرير الكويت.

ولعبت مملكة البحرين دورًا مهمًا ومحوريًا في تحرير دولة الكويت من العدوان العراقي الغاشم، وذلك من خلال تقديم الدعم اللوجستي لقوات التحالف التي كانت تتخذ من مملكة البحرين مركزًا لعملها، إضافة إلى المساهمات العسكرية المباشرة من قبل القوات البحرينية بفروعها كافة، والتي كانت في طليعة القوات الخليجية المشاركة في حرب التحرير، إذ حظيت هذه المساهمة بإشادة وتقدير واسعين من كافة القوات المشاركة.

وسجل المتطوعون البحرينيون أيضا حضورًا مميزًا في ساحات القتال، مخلفين وراءهم قصصًا بطولية في الدفاع عن الأشقاء في دولة الكويت.

ولعبت الدبلوماسية البحرينية دورًا مهمًا في صياغة القرارات المدينة للغزو، وطرح التصورات للتعامل معه، وتحركًا ملموسًا في المحافل الدولية لحشد المواقف الإقليمية والدولية الداعمة لتحرير الكويت وإدانة العدوان الغاشم عليها وتفنيد ادعاءاته، وتسجيل السفارات البحرينية في الخارج حضورها الواضح في الفعاليات واللقاءات كافة التي تتعلق بإدانة وشجب الغزو العراقي للأراضي الكويتية.

 

بعد الغزو

واستمر الدعم البحريني لدولة الكويت الشقيقة لما بعد الغزو، متجاوزا دعم الإعمار والدعم الصحي وغيره، إلى المطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالغزو، وطرح المرئيات التي من شأنها أن ترسي دعائم الأمن في الخليج العربي.

لقد شكل العدوان العراقي على الكويت الشقيقة محطة مفصلية وقاعدة صلبة للعلاقات الأخوية التي تجمع أبناء مملكة البحرين والكويت، ونقطة انطلاق نحو توسيع العلاقات والانتقال بها إلى آفاق أوسع من التنسيق والتعاون ووحدة الرؤى تحت مظلة دول مجلس التعاون الخليجي.

وبعد أكثر من 30 عامًا على الغزو، باتت العلاقات البحرينية الكويتية تمثل نموذجًا متميزًا في العلاقات الأخوية بين الدول الشقيقة، وتمكن البلدان بفضل التنسيق والتعاون المشترك من تحقيق نهضة تنموية شاملة، في ظل أنظمة سياسية متطورة ومستقرة ونمو اقتصادي مشهود.