العدد 4883
السبت 26 فبراير 2022
banner
كيف تنقذ أوكرانيا نفسها؟
السبت 26 فبراير 2022

كانت الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) المسرح الأخطر في تكبيد أطرافها الأوروبيين خسائر مروّعة في الأرواح والعتاد والعمران، بينما كانت خسائر الولايات المتحدة الأقل بفضل خوضها الحرب خارج أراضيها، وباستثناء حروب صغيرة نشبت في أوروبا لم تكن دولها الكبيرة متواجهة فيها، فإن الخسائر المهولة للغاية التي دفعتها أوروبا في تلك الحرب الكونية شكلت درساً لدولها العظمى للتفكير ملياً قبل اللجوء للقوة العسكرية في حل خلافاتها، لاسيما مع امتلاك بعضها السلاح النووي. أما أميركا التي خاضت تلك الحرب خارج أراضيها، كما سائر حروبها اللاحقة، فهي ما فتئت غير مكترثة بعواقب الحروب المحدودة عليها التي تبادر لشنها أو تشترك فيها؛ مادامت في مأمن نسبي من عظائم شرورها، وبالتالي فلا عجب إذا ما أقدمت - ومن خلفها حلفاؤها الغربيون -على التدخل في النزاعات الدولية أو خلقها وتحريض بعض أطرافها على الحرب، حيثما رأت ذلك يخدم مصالحها. وهذا ما ينطبق تماماً على التطورات الأخيرة الميدانية بين أوكرانيا وروسيا إثر إعلان الأخيرة شن “عملية عسكرية” داخل أراضي الأولى، لعلها تشكل ورقة ضغط أخيرة في يدها تجبر أوكرانيا وحلفاءها الغربيين على منحها ضمانات لأمنها القومي بابتعاد حلف “الناتو” عن حدودها وعدم ضم كييف إليه.
بالمنطق السليم فإن كوارث الحروب باهظة التكلفة والتي تدفع فواتيرها بالدرجة الأولى الشعوب والأوطان وتحيلها خراباً، تستحق قدراً من التنازلات من قِبل قيادة الطرف الأضعف الأكثر خسارة، وإن لم تكن متكافئة، مادام عائد تلك التنازلات إنقاذ شعبها من أهوال محرقة لا تبقي ولا تذر، وتحتاج عقوداً طويلة لإعادة الإعمار، دع عنك الأرواح التي لا تعوّض. ومع أن موسكو لها مصلحة في شن ما أسمتها “العملية العسكرية” ولا أحد يعلم كيف ستتفادى مخاطر اتساعها التي ستهدد بلادها في هذه الحالة وأمن أوروبا برمتها؛ إلا أنها - كقوة عظمى - لن تتضرر بأي حال من الأحوال كتضرر جارتها الأضعف أوكرانيا. فهل ستتعقل كييف - من أجل إنقاذ شعبها بالدرجة الأولى - بأن تنفض يدها عن أميركا وحلفائها الذين يصبون الزيت على النار، ومن ثم تدخل في مفاوضات مباشرة مع موسكو بإشراف الأمم المتحدة؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية