العدد 4897
السبت 12 مارس 2022
banner
الفجور في المقاطعة
السبت 12 مارس 2022

الفجور في مقاطعة العدو هو تعبير عن الفجور في الخصومة، هو النهم الفائض عن الحاجة لاتخاذ ممارسات بربرية غير حضارية بعيدة عن أي منطق، وهو ما تفعله الجماعات البدائية تجاه أعدائها على نحو ما تابعناه في التاريخ وفي ممارسات “داعش” حاضراً. 
وهذا ما يفعله الغرب “المتحضر” حالياً بقيادة الولايات المتحدة في سلسلة إجراءات مقاطعاته الشاملة لروسيا على خلفية هجومها على أوكرانيا، إذ لم يكتفِ بالعقوبات الاقتصادية والسياسية والإعلامية، ولا بما اتخذته اللجنة الأولمبية والفيفا من عقوبات حظر رياضية سياسية واسعة النطاق، بل بلغ الأمر درجة من الصبيانية بأن وجدنا تعابيرها في جملة من الوقائع الهستيرية المضحكة، ومن ذلك إزالة تمثال شمعي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من متحف غريفين الباريسي بحجة اعتداءات زواره عليه، وحظر منظمة الفيدرالية العالمية استيراد القطط الروسية، وإلغاء مطعم كندي من “المنيو” وجبة قريبة من اسم “بوتين”، دع عنك حظر المجلات الثقافية والسينمائية إثر إعلان ثلاثة استوديوهات كبرى “سوني وديزني ووارنر براذر” وقف تصدير الأفلام إلى روسيا، كما حالت العقوبات دون تمكن المواطنين الروس من زبائن نتفليكس من دفع اشتراكاتهم ببطاقات الائتمان، وهذا كله غيض من فيض.
وبذا فإن ادعاء الغرب بزعامة الولايات المتحدة أنه يستهدف بعقوباته الأنظمة المارقة والدكتاتورية لا شعوبها بات مسخرة لا يصدقها عاقل؛ لأن المتضرر الأول منها شعوب الدول المستهدفة لا أنظمتها، بل هي تفضي إلى وقوفها خلف أنظمتها، وهذا ما تبتغيه في مثل هذه الصراعات، أكانت على حق أم على باطل، فلم يسقط نظام بفعل العقوبات قط أو تحمله على تغيير سلوكه إلا في أضيق الحدود. إن مثل تلك العقوبات لن تؤدي بطبيعة الحال إلا إلى تسميم مناخ العلاقات الدولية النابذ للعلاقات الطبيعية والمستقرة بين أعضاء الأسرة الدولية، وتأزيم الاقتصاد العالمي برمته والأوضاع المعيشية لشعوب المعمورة، عدا ذلك فإن الغرب لا يريد أنظمة ديمقراطية حقيقية ذات سيادة واستقلالية عنه، أليس وصول بوتين إلى السلطة وليد نظام صنعه وطبّل لديمقراطيته، وهو الآن إنما يدافع عن أوكرانيا وأنظمة أوروبا الشرقية التي خلقها بما يلائم مصالحه، ومنها ضمها إلى حلفه “الناتو” الموروث من زمن الحرب الباردة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية