+A
A-

انسحاب روسي من شمال أوكرانيا ومحاولة جديدة لإجلاء مدنيين من ماريوبول

أكّدت أوكرانيا السبت أن القوات الروسية "تنسحب بسرعة" من مناطقتي كييف وتشيرنيغيف في شمال البلاد بهدف "تثبيت أقدامهم" في الشرق والجنوب حيث من المقرر أن تجري عمليات إجلاء مدنيين جديدة خلال النهار.

وفرّ أكثر من ثلاثة آلاف شخص من ماريوبول في حافلات وسيارات خاصة على ما أعلنت السلطات الأوكرانية، بينما يستعد الصليب الأحمر السبت لمحاولة تنفيذ عملية إجلاء جديدة من هذه المدينة الساحلية المحاصرة والمدمرة بعد فشل محاولة أولى.

وكتب ميخايلو بودولياك، أحد مستشاري الرئيس الأوكراني، على تلغرام "بعد انسحاب سريع للروس من المناطق المحيطة بكييف ومن تشيرنيهيف (...) يتّضح تمامًا أن روسيا اختارت أن تعطي الأولوية لتكتيك مختلف" يقضي بـ"الانعطاف نحو الشرق والجنوب والحفاظ على السيطرة على الأراضي الواسعة المحتلّة وتثبيت أقدامهم هناك بطريقة قوية".

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال إن روسيا تُعدّ "لضربات قوية" في جنوب البلاد وشرقه خلافا لتصريحات موسكو بأنها عمدت إلى تخفيف حدة المواجهات، لا سيّما في ماريوبول حيث تشير التقديرات الأخيرة إلى أن نحو 160 ألف شخص لا يزالون عالقين في المدينة.

وفي حال سقوط ماريوبول فسوف يؤمن ذلك تواصلا جغرافيا من شبه جزيرة القرم  التي ضمتها روسيا إلى الجمهوريتين الانفصاليتين المواليتين للروس في منطقة دونباس.

وتجري عمليات إجلاء المدنيين بشكل تدريجي بعدما كانت مستحيلة على مدى أسابيع.

وقال زيلينسكي في مقطع مصور بُثّ ليل الجمعة السبت "اليوم (الجمعة) عملت الممرات الإنسانية في ثلاث مناطق: دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا. تمكنّا من إنقاذ 6266 شخصا، بينهم 3071  من ماريوبول".

مدينتنا لم تعد موجودة

ورصدت وكالة فرانس برس مساء الجمعة دخول حوالى 30 حافلة إجلاء إلى مدينة زابوريجيا، بعضها يقل أشخاصا فروا من ماريوبول بمفردهم ثم نُقلوا بالحافلات إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا.

وبعد وصولهم إلى ضاحية زابوريجيا، بكى بعض الأشخاص الذين غادروا ماريوبول، ارتياحا لعودتهم إلى مناطق تسيطر عليها القوات الأوكرانية.

وقال أشخاص عدة تم اجلاؤهم من ماريوبول لوكالة فرانس برس إنهم اضطروا إلى السير مسافة 15 كيلومترا أو أكثر لمغادرة المدينة، قبل أن يجدوا سيارات خاصة لمواصلة رحلتهم. وانتهت مشقتهم برحلة في الحافلة استمرت 12 ساعة سلكت طريقا تنتشر فيها الكثير من الحواجز قبل الوصول إلى زابوريجيا. وهي رحلة كانت تستمر ثلاث ساعات قبل الحرب.

وقالت أولينا وهي تحمل طفلتها الصغيرة "رحنا نبكي عندما وصلنا إلى هذه المنطقة. بكينا عندما رأينا جنودا عند حاجز مع شارات أوكرانية على أذرعهم. لقد دمر منزلي، رأيته على صور. مدينتنا لم تعد موجودة".

قالت أولغا، وهي امرأة أوكرانية كانت تنتظر في مركز للأسر النازحة في زابوريجيا، "أنا أبكي، لقد رأيت حفيدتي للتو". وأضافت "عائلة والدتها لا تزال في ماريوبول ولا نعرف ما إذا كانوا على قيد الحياة. لا توجد كلمات لأعبر عن مدى سعادتي برؤيتها بأمان".

وتمكن سكان ماريوبول هؤلاء من الوصول إلى مدينة برديانسك التي تحتلها القوات الروسية، حيث تم ضمهم إلى القافلة وفق شهادات أدلى بها ركاب لوكالة فرانس برس ومسؤولون.

وأوضحت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريشتشوك أن "1431 شخصا سافروا من برديانسك وميليتوبول بوسائلهم الخاصة إلى زابوريجيا. 771 من بينهم أتوا من ماريوبول". وأضافت أن "42 حافلة من برديانسك تقل سكانا من ماريوبول و12 حافلة من ميليتوبول تقل سكانا محليين" كانت في طريقها مساءً إلى زابوريجيا، متحدثة عما مجموعه "أكثر من 2500 شخص".

وعرض وزير الدفاع التركي خلوصي آكار السبت المساعدة على أوكرانيا عبر "الدعم البحري، خصوصًا في إخلاء ماريوبول من المدنيين والجرحى الأتراك أو من جنسيات أخرى".

من جهتها قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي كان مقررا أن تشارك في عملية الإجلاء، الجمعة إن فريقها الذي أُرسل إلى ماريوبول اضطر إلى أن يعود أدراجه، لأن الإجلاء المقرر لآلاف المدنيين من هذه المدينة الساحلية التي تحاصرها القوات الروسية كان "مستحيلا" الجمعة.

وأضافت اللجنة في بيان أن فريقها الذي "يضم ثلاث آليات وتسعة أشخاص، لم يصل إلى ماريوبول ولم يتمكن من تسهيل المرور الآمن للمدنيين اليوم (الجمعة)".

وأوضحت اللجنة أنه "لكي تنجح العملية، من الضروري أن يحترم الأطراف الاتفاقات ويوفروا الشروط اللازمة والضمانات الأمنية" مشددة على أن محاولة جديدة ستحصل السبت.

خنادق في تشرنوبيل

لكن استمرار المعارك يهدد هذه الضمانات. فقد اتهمت روسيا الجمعة أوكرانيا بتنفيذ هجوم بواسطة مروحيات على أراضيها ولوحت باحتمال تشديد نهجها خلال المفاوضات.

واستهدفت الضربة الجوية منشآت تخزين وقود تابعة لشركة "روسنيفت" للطاقة في بلغورود في روسيا على بعد حوالى 40 كيلومترا من حدود أوكرانيا.

وغردت وزارة الدفاع البريطانية مساء الجمعة كاتبة أن تدمير خزانات الوقود في بلغورود فضلا عن انفجار مخزن للذخيرة قرب المدينة "يفرض ضغوطا إضافية على المدى القصير على السلاسل اللوجيستية الروسية التي تتعرض أصلا لضغط كبير".

وحذرت أوكرانيا من أن الجنود الروس الذين غادروا محطة تشرنوبيل النووية بعد احتلالها مدة أسابيع، قد يكونون تعرضوا لإشعاعات. وكانت هذه المحطة العام 1986 مسرحا لأسوأ كارثة نووية في العالم.

وقُصفت عدة مناطق ليل الجمعة السبت في وسط وشرق أوكرانيا.

مساعدات أميركية جديدة

وقال الرئيس الأوكراني لمحطة "فوكس نيوز"، "اعطونا صواريخ . أعطونا طائرات. لا تستطيعون إعطاءنا طائرات أف-18 أو أف-19؟ اعطونا طائرات سوفياتية قديمة. اعطوني أي شيء لادافع عن بلدي".

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها ستوفر مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة قد تصل إلى 300 مليون دولار تشمل أنظمة صواريخ موجهة بالليزر وطائرات مسيّرة "انتحارية" من طراز "سويتش بلايد" فضلا عن طائرات مسيّرة خفيفة من نوع "بوما".

وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي في بيان إن "هذا القرار يؤكد التزام الولايات المتحدة الراسخ سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها دعما لجهودها البطولية لصد الحرب التي قررتها روسيا".

وأضاف "الولايات المتحدة التزمت الآن بأكثر من 2,3 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ تولي إدارة بايدن السلطة، بما في ذلك أكثر من 1,6 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ الغزو غير المبرر والمتعمد من جانب روسيا".

واستؤنفت محادثات السلام بين المسؤولين الأوكرانيين والروس الجمعة عبر الفيديو لكن الكرملين حذر من أن هجوم بلغورود قد يعيق هذه المفاوضات.

وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف "من الواضح أننا لا نستطيع أن نعتبر أن ما حصل سيوفر ظروفًا ملائمة لمتابعة المفاوضات".

ويزور وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية البريطاني مارتن غريفيث موسكو الأحد في محاولة للحصول على "وقف لإطلاق النار لأغراض إنسانية" في أوكرانيا على ما أعلن الأمين العام انطونيو غوتيريش.

وتحدث البابا فرنسيس السبت عن "رياح الحرب الباردة" التي تجتاح أوروبا مجددا، في كلمة ألقاها  في مستهل زيارته إلى مالطا السبت وتناول فيها الحرب في أوكرانيا.

وقال "في حين أن بعض الأقوياء الذين سجنوا أنفسهم للأسف في ادعاءات مصالح قومية عفا عليها الزمن، أثار الصراعات وسببّها مرة أخرى، يشعر الناس العاديون بالحاجة إلى بناء مستقبل إما أن يكون معا أو لن يكون".