+A
A-

خليفة بن زايد... قائد مرحلة التمكين والمبادرات الإنسانية

بكثير من الحزن والأسى، فقدت الأمتان العربية والإسلامية والعالم أجمع صباح امس الجمعة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بعد مسيرة طويلة من العطاء والتنمية والرخاء قاد خلالها دولة الإمارات إلى مصاف الدول الحديثة المتقدمة بكل أمانة وإخلاص. 
وأعلنت وزارة شؤون الرئاسة الإماراتية الحداد الرسمي وتنكيس الأعلام على المغفور له لمدة أربعين يومًا اعتبارًا من اليوم وتعطيل العمل في الوزارات والدوائر والمؤسسات الاتحادية والقطاع الخاص لمدة ثلاثة أيام اعتبارًا من اليوم.
ونعى عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أخيه المغفور له رئيس دولة الإمارات الذي انتقل إلى جوار ربه صباح امس بعد عمرٍ حافل بالعطاء والإنجازات في خدمة شعبه وأمته العربية والإسلامية ونصرة قضاياها، مؤكدًا جلالته أن الفقيد كان قائدًا حكيمًا كرّس حياته في خدمة شعبه وأمته وخدمة الإنسانية جمعاء. 
وفي رثاء مودع حزين وصف ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة سمو الشيخ محمد بن زايد أخيه وعضيده ومعلمه فقيد الإمارات الكبير وابنها البار بأنه كان قائد “مرحلة التمكين” في الدولة وأمين رحلتها المباركة، مشيرًا إلى أن إنجازات المغفور له بإذن الله ومواقفه وحكمته وعطائه ومبادراته في كل زاوية من زوايا الوطن.
كما نعى المغفور له عدد كبير من ملوك وأمراء ورؤساء وزعماء العالم ورؤساء الحكومات والوزراء وكبار المسؤولين في العالم وهو إن دلّ على شيء فهو يدل على مشاعر التقدير والاحترام والمحبة التي يكنونها للفقيد الكريم نظير ما قدمه خلال مسيرته من إنجازات ومبادرات لم يغمر بها شعبه فحسب ولكن امتدت إسهاماتها وآثارها السخية لمعظم شعوب العالم.

مناصب الفقيد
ويعد الشيخ الراحل خليفة بن زايد من القيادات التاريخية المشهود لها بالعطاء والبذل على مدى 45 عامًا من العمل الوطني في خدمة الوطن والمواطن، منذ أن شارك وهو في صباه إلى جانب والده الشيخ زايد في مرحلة التأسيس لبناء الوطن ومواكبة مسيرة التقدم في العالم، وأنجز بهمة وكفاءة ودرجة عالية من المسؤولية الوطنية المهام التي أوكلت إليه في مختلف المناصب الرئيسة التي شغلها خلال مراحل بناء نهضة إمارة أبوظبي، ومن ثم دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويعتبر المغفور له هو الرئيس الثاني لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والحاكم الـ 16 لإمارة أبوظبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، إذ تولى رئاسة الدولة في 3 نوفمبر العام 2004م خلفًا لوالده الراحل المغفور له بإذن الله تعالى سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة الاتحادية، ووُلد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في قصر قلعة المويجعي بمدينة العين الإماراتية العام 1948م.
وفي أغسطس العام 1966م عُيّن ممثلًا لحاكم أبوظبي في المنطقة الشرقية ورئيسًا لنظامها القانوني، كما عين في عام 1969م وليًا للعهد لإمارة أبوظبي وتولى رئاسة أول مجلس وزراء محلي لإمارة أبوظبي إضافة إلى حقيبتي الدفاع والمالية في يوليو من العام 1971م، كما أصبح نائبًا لرئيس مجلس الوزراء الاتحادي العام 1974م، وعُين العام 1976 نائبًا للقائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات.

قائد المرحلة
احتلت رفاهية المواطن وتوفير سبل العيش الكريم له وإسعاده أولويات الفقيد الراحل منذ أن تولى مقاليد الحكم، فقد عرفت دولة الإمارات العربية المتحدة طريقها نحو نهضة تنموية مواكبة للألفية الجديدة من خلال توفير أرقى الخدمات خاصة في قطاعات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية وغيرها من المتطلبات الضرورية التي تؤمن للمواطنين الحياة الكريمة والمستقبل الآمن لهم لأبنائهم.
ولعل من أبرز الخطوات الإصلاحية المهمة التي شهدتها دولة الإمارات في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد هو إعلانه عن إطلاق برنامج “التمكين” السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي في خطابه بمناسبة اليوم الوطني الرابع والثلاثين في الأول من ديسمبر العام 2005، مُدشنًا عصرا جديدا من التمكين الحقيقي للمواطنين بفتح المجالات كافة أمام المشاركة الشعبية بإعلان تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للسلطة التنفيذية، وليكون أكبر قدرة وفاعلية والتصاقًا بقضايا الوطن وهموم المواطن، يبدأ بتفعيل دوره عبر انتخاب نصف أعضائه. وتم بالفعل إنجاز هذه المرحلة التاريخية بنجاح بإجراء انتخابات حرة مباشرة لنصف أعضاء المجلس في دورتين متتاليتين في العام 2006 والعام 2011 بمشاركة فاعلة للمرأة -لأول مرة- أسفرت عن فوز مرشحة واحدة في كل دورة وهو ما مثّل انتصارًا وتمكينًا حقيقيًا للمرأة الإماراتية. 
كما أولى الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله اهتمامًا كبيرًا لمشروعات تطوير وتحديث البنية التحتية ومرافق الخدمات المختلفة، ووضع اللبنة الأساسية لتنمية وازدهار النهضة العمرانية في جميع إمارات الدولة السبع عبر بناء جهاز إداري حديث ومتطور وبنى تحتية ومعلوماتية ورقمية عالية الجودة، إلى جانب الاهتمام بتقديم حزم متميزة من الخدمات الحكومية والاتحادية تتناسب مع إيقاع العصر. كما يحسب للقطاع الخاص والصندوق السيادي لدولة الإمارات على جذب رؤوس الأموال والاستثمارات وخلق فرص عمل ومناخ استثماري من الطراز الرفيع والمأمون ساعد كثيرًا في تمتعها بمكانة متميزة على خارطة العالم.
وفي سبيل الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطن الإماراتي وترسيخًا لعلاقات المحبة بينه وبين شعبه، أسس الرئيس الراحل (دائرة الخدمات الاجتماعية والمباني التجارية) التي عُرفت بين الناس (بلجنة الشيخ خليفة)، إذ قامت بتقديم تمويلات سخية للمواطنين بدون أي فوائد، لإنشاء مبانٍ تجارية تدرّ عليهم عوائد مالية دورية، ما أسهم في زيادة دخول المواطنين ورفع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي.
كما أطلق المغفور العديد من المبادرات التي تهدف إلى تحسين جودة الحياة للوطن والمواطن أبرزها تأسيس جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي؛ بهدف تعزيز وتشجيع الابتكار الزراعي ودراسات أبحاث نخيل التمر وانتشارها في العالم وجائزة الشيخ خليفة للامتياز والتي أطلقت كخريطة طريق بهدف تعزيز القدرة التنافسية لقطاع الأعمال في الدولة وإنشاء مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية وتتمثل رؤيتها في مبادرات رائدة لخدمة الإنسانية، كما تم استحداث جائزة خليفة التربوية بهدف دعم التعليم والممارسات التربوية المبدعة، إضافة إلى إطلاق “مبادرة ابشر” لتعزيز مشاركة الكوادر الوطنية في سوق العمل وتأهيلهم بالتدريبات اللازمة واعتماد السياسة العليا لدولة الإمارات في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار بميزانية تزيد على 300 مليار درهم، فضلا عن إطلاق برنامج خليفة لتمكين الطلاب ومبادرة “أقدر” لتعزيز المهارات القرائية.

سياسة متوازنة
وعلى صعيد السياسة الخارجية للدولة، حرص المغفور له منذ توليه مقاليد الحكم لدولة الإمارات على استكمال مسيرة والده الراحل التنموية والنهضوية عبر بناء دولة مؤسسات قوية عصرية ذات سياسة خارجية متزنة ورشيدة ومستقلة تعتمد على احترام القوانين والمواثيق والأعراف الدولية واحترام سيادة الدول الأخرى، وعدم التدخل في شؤون الآخرين ومد جسور التعاون والتكامل مع الدول الشقيقة والصديقة على مبدأ الشراكة الدولية في نشر السلم والاستقرار، وتجنيب الشعوب ويلات الحروب في العالم. 
وتعتبر دولة الإمارات عضوا مؤثرًا داخل منظومة العمل الخليجي والعربي المشترك وداعمًا أساسيًا لاستقرار دولها ونمائها ونهضتها. وفي عهد الفقيد الراحل عاشت دولة الإمارات أزهى عصور الحريات والانفتاح والتسامح والتعايش مع الآخر، إضافة إلى ما حققته من إنجازات ملموسة على الصعيد الحقوقي وفي مجال احترام حقوق الإنسان.

مبادرات إنسانية
ولطالما حرص سمو الفقيد الراحل على أن تكون دولة الإمارات عنوانًا عريضًا ومشرفًا في مجال الأعمال الخيرية والمساعدات الإنسانية للدول والشعوب المنكوبة والمتضررين من الكوارث الطبيعية وآثار الحروب والأزمات دون تمييز، لذلك جاء قرار سموه لتأسيس (مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية) مرتكزا استراتيجيتها على تقديم المساعدات في مجالي الصحة والتعليم محليًا، إقليميًا وعالميًا لتمتد مساعداتها منذ نشأتها لأكثر من 87 دولة حول العالم، فلا تكاد رقعة جغرافية في أصقاع العالم إلا وكان لمؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية غرس للخير من سلسلة مستشفيات الشيخ خليفة بن زايد ودعم الأبحاث الطبية العملية لأمراض السرطان وتقديم المساعدات الغذائية والطبية العاجلة للعديد من الدول. ليس هذا فحسب بل كانت دولة الإمارات على مر تاريخها سباقة في مبادراتها السخية وشراكاتها التنموية لدعم ومساندة الدول الشقيقة والصديقة إيمانًا منها بالعمل العربي والإقليمي المشترك تعزيزًا للعلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية المتميزة التي تجمع دولة الإمارات بهذه الدول وشعوبها.
كما أعلن سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان 2017 عامًا للخير، وبموجب هذه المبادرة أطلقت الحكومة الاتحادية في دولة الإمارات، والحكومات المحلية، فضلًا عن القطاع الخاص والمؤسسات المدنية مئات من المبادرات الإنسانية، التي تخدم قضايا خيرية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها، ليكون الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (خليفَة) زايد الخير نهجا وعملا ترسيخا في إغاثة الملهوف ونشر الخير للعالم أجمع.

جوائز وأوسمة
لقد كرّس المغفور له سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات حياته منشغلًا بتحقيق الرفاهية والتطور والنماء والسعادة لشعبه الشقيق الكريم فاستحق أن يكون لأكثر من مرة في صدارة قوائم الرؤساء والزعماء الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم بحسب صحيفة التايمز البريطانية.
كما احتلت دولة الإمارات في عهد المغفور له المركز الثالث عالميًا في مؤشر ثقة المواطنين بالقادة السياسيين فيها من بين 148 دولة في العالم بحسب تقرير التنافسية الدولية للمنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” لعام 2013 - 2014.
وصنّف تقرير المسح الثاني للأمم المتحدة لمؤشرات السعادة والرضا بين شعوب العالم دولة الإمارات في المركز الأول عربيًا والرابعة عشرة عالميًا التي حققت السعادة والرضا لمواطنيها.
 كما حصل المغفور له على عدد من الجوائز والأوسمة: وسام “القائد الأعظم” من الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا وهو من أعلى الأوسمة في بريطانيا وميدالية تقديرية من الملك الإسباني خوان كارلوس خلال لقائهما في إمارة أبو ظبي وجائزة “بطل الأرض” من المنظمة الدولية للبيئة اعترافًا وتقديرًا لجهوده وعمله المتواصل طوال حياته في حماية البيئة، إضافة إلى جائزة فخرية من جمعية “تيرف كلوب” الأيرلندية عرفانًا وتقديرًا لدوره البارز في دعم سباقات الخيل على المستوى العالم فضلا عن الدكتوراه الفخرية في العلوم من جامعة الخرطوم من معهد الدراسات البيئية تقديرًا لأعماله الجليلة في مجال البيئة ومساهمته في تعزيز الأمن والتوازن البيئي.