العدد 4985
الأربعاء 08 يونيو 2022
banner
عن أمي أتحدث
الأربعاء 08 يونيو 2022

في بيتنا “العود” بغُرفاته الفسيحة المطلة على الفناء الواسع؛ عشنا مع عمي وعائلته الصغيرة، ذلك الفناء الذي شهد أجمل ذكريات طفولتنا، حيث كنا ننام جميعا في فضائه ملتحفين السماء المتلألئة بالنجوم، نرقدُ في مهاد الأمن والأمان بعد يومٍ امتلأت ثناياه بالضحكات واللعب. وإن ننسى من الذكريات مواقف فلن ننسى أبدا شقاوتنا التي كنا نشغلُ أمي بها عن طهو الطعام في ذلك المطبخ الذي استقر في الزاوية البعيدة من المنزل، وأجمل أوقاتنا تلك التي قضيناها ونحن نشاهد حلقات الكارتون في تلفازنا ذي الإطار الخشبي المميز الذي اشتراه لنا والدي رحمه الله.
يصعبُ على المرء اختيار نقطة بداية الذكريات حين يسترجعها، كما يصعبُ عليه وقف تدفّقها حين يتبع بعض المواقف بعضا، في ذلك البيت الجميل الكبير برماله الناعمة التي كانت تغطي جزءا من مساحاته الرحبة، بدأت والدتي - أطال الله عمرها - حياتها صبية لم يتجاوز عمرها السادسة عشرة عاماً حين تزوجها والدي، لتبدأ مسيرة حياة وكفاح بكل ما فيها من عقبات، اتسمت بقدرتها الكبيرة على تحمل مسؤولية كاملة بكل شجاعة وعزم واقتدار، ولتنجب بعدها عائلتها الكبيرة، وتنشئهم على مبادئ الدين الحنيف والخُلق الصحيح. وقد كان والدي رحمه الله كريماً مضيافاً، ممن لا يهنؤون حتى يشاركهم أحبابهم موائدهم، فقد كان دائما يدعو الأصدقاء لتناول الطعام بصورة أسبوعية في مجلسنا القديم الجميل، كانت تلك اللحظات تسعد والدتي، ولا نراها إلا مرحبة بتلك الدعوات، وتستعد لها قبل ساعات، وتقتطع من وقتها الكثير إكراما لوالدي وضيوفه، فتعد لهم أطيب الطعام وأزكى الشراب وكل ما يلزم الضيافة، ولم تكن تتذمر أبدا رغم صعوبة إعداد السفرة آنذاك، فقد كانت تجهز كل شيء بمفردها، فضلا عن أعباء المنزل الأخرى من تنظيف ورعاية للأبناء.
ها نحنُ اليوم قد كبرنا يا أمي الغالية، ومضت الأيام سريعاً، تعلَّمْنا وتخرّجنا، وأصبحت لكل واحد منا وظيفة، وأكملنا دراساتنا العليا، وكلنا أمل أن نكون ثمرة طيبة لبذرة طيبة، نسير في الطريق القويم الذي رسم لنا منذ صغرنا، فقد حرصتِ وأبي على تنشئتنا على حب العمل والجد في الحياة، وعدم أذية الآخرين، والمضي في بناء وطننا والحفاظ عليه، نسير جميعا على هذا النهج الأصيل إن شاء الله. أدعو الله لكِ ولجميع الآباء الأحياء بطول العمر في عفو وعافية، ولوالدي وجميع الأموات بالرحمة والمغفرة، وأن يرزقنا البر بهم في حياتهم وبعد مماتهم إنه سميع الدعاء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .