العدد 4988
السبت 11 يونيو 2022
banner
مبادرة ثعلب السياسة الأميركية
السبت 11 يونيو 2022

تميزت مبادرة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق، والتي طرحها لحل الأزمة الأوكرانية بقدر معقول من الاعتدال، وقد أسعدني أن تتوافق خلاصتها – ضمنيا - مع ما طرحته هنا في مقال لي بعد يومين من اندلاع الحرب، ويمكننا تلخيصها في النقاط الثلاث التالية: أولا: يجب الشروع في المفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني خلال الشهرين القادمين “يونيو ويوليو” قبل أن تستفحل الأزمة إلى ما لا يُحمد عقباه، لأن مسار الحرب سيتحول بعدئذ - حسب توقعه - إلى حرب مباشرة ضد روسيا، وليس لتحرير أوكرانيا. ثانيا: يجب أن تقبل أوكرانيا التخلي عن جزء من أراضيها لروسيا “أي ما يمكننا تسميته بالتنازلات المؤلمة”، ثالثا: يجب على أوكرانيا التنازل عن شبه جزيرة القرم لروسيا. وفيما يشبه التحذير من فكرة عزل روسيا عن اُوروبا، ذكّر كيسنجر الغرب بأنها تنتمي إلى أوروبا منذ أربعة قرون “بمعنى تاريخ وجودها القوي على الساحة الأوروبية”، وأنها كانت القوة الوازنة خلال الصراعات والحروب في القارة العجوز، ويضيف ما معناه: ينبغي عدم التطرف في العداء الشديد لروسيا، أو الانسياق لشهوة هزيمتها بشكل مذل كامل.
وإذا وصفنا مقترحات كيسنجر بـ “المبادرة” فلأنه أطلقها بصفته مراقباً سياسياً وملماً جيداً بجميع جوانب الأزمة وتعقيداتها، لا بصفته وسيطاً مقبولاً من الطرفين في التفاوض عليها. ومن المسلّم به أن الرجل (98 عاماً) لم يطلقها جزافاً على عواهنها، بل مستنداً على ما يتمتع به من خبرة دبلوماسية عريقة، ناهيك عن دوره التنظيري في رسم السياسة الخارجية لبلاده والتفاوض حول مصالحها. ويمكن القول إنه يتمتع بكفاءة خارقة في النظرية والممارسة قل مثيل لها عند نظرائه السابقين واللاحقين في الإدارة الأميركية، هو الذي لُقب بـ “ثعلب السياسة الأميركية” فيما وصفه نظيره السوفييتي أندريه جروميكو في مذكراته، والذي كان لا يقل عنه دهاء وكفاءة، وصفه في سياق انتقادي لأسلوبه التفاوضي وسياسات بلاده، بأنه إنسان كفء جداً ويملك خبرة لا يٌستهان بها في الشؤون الخارجية، وبوسعه إيجاد خيارات وبدائل مختلفة لحل الأزمات والقضايا.
بيد أن هذه المبادرة لن تحصل على مقاربة لتبنيها رسميا إلا بممارسة ضغوط من التيار العقلاني وبالتحالف مع كل القوى المحبة للسلام أو التي لها مصلحة في إنهاء التورط الأميركي في أوكرانيا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .