+A
A-

عدم اليقين الحركي تحدّ تواجهه السيارات ذاتية القيادة

تسعى شركات عملاقة وأخرى ناشئة إلى ترسيخ فكرة أنها قادرة على تطوير مركبات ضمن مستويات أعلى من التحكم الذاتي إلا في مواقع جغرافية ذات طبيعة خاصة دون أن تتسبب في كوارث على الطرق.

وقد تصبح كروز التابعة لمجموعة جنرال موتورز الأميركية أول شركة تحصل على تصريح لفرض رسوم على ركوب السيارات ذاتية القيادة في سان فرانسيسكو، إذا تمكنت من التغلب على اعتراضات مسؤولي المدينة.

وباتت سيارات اختبار القيادة الذاتية مع سائقي السلامة البشرية مشهدا ثابتا في مناطق كثيرة من العالم بعدما أصبح ظهورها أمرا شائعا بشكل متزايد. وقد شكل التصريح الذي حصلت عليه كروز مؤخرا العقبة الأخيرة لنشر أسطول مركباتها في ولاية كاليفورنيا.

وتعتمد السيارة ذاتية التحكم عادة على نظام تكنولوجي متطور بشكل كبير يستطيع استشعار البيئة المحيطة به، واتخاذ كافة القرارات بناء على تلك البيانات التي جمعها دون الحاجة إلى أي أوامر من السائق.

وتستخدم هذه النوعية من وسائل النقل أنظمة متعددة في آن واحد، فتقوم باستخدام الرادار ونظام تحديد المواقع (جي.بي.أس) للكشف عن موقع السيارة والمناطق المحيطة بها.

كما أنها تستعين بنظام رؤية إلكتروني لقراءة وتحليل البيانات من حولها لتحقيق أعلى درجات الأمان والسلامة.

ويقول خبراء إن النظام الآلي يهدف إلى أمرين رئيسيين، الأول تحديد المسار الذي ستتحرك فيه المركبة، أي الشوارع التي ستسلكها للوصول إلى هدفها.

أما العامل الثاني فهو أن تبدأ السيارة بقراءة الطريق الذي تسير به بشكل جيد ومتقن، كوجود عقبة ما أمامها أو إشارة حمراء أو حتى لافتات المرور.

وتأتي التجارب ضمن برنامج الشركة الأميركية لصناعة سيارات ذاتية القيادة تأمل البدء باستخدامها فعلا على نطاق واسع في غضون سنوات، رغم أن البعض من الخبراء يشككون في ذلك، ويرون أنها ليست واقعية لأسباب تتعلق بالسلامة.

ويرى الكثيرون أنه لا بد من فرض قيود قبل السماح لمركبات كروز أي.في المستقلة بالدخول في أعمال نقل الركاب.

وكتب مسؤولو المدينة في رسالة إلى لجنة المرافق العامة بكاليفورنيا إن “نشر هذه المركبات على نطاق أوسع سيزيد من احتمال أن يؤدي السلوك غير العادي للمركبات إلى إصابة خطيرة أو الوفاة”.

ويقول المسؤولون المحليون إن سيارة كروز أي.في تبدو مرتبكة، وجمعوا أدلة تكفي لإدخال الشك في جدوى استخدام هذه النوعية من السيارات.

ففي أبريل الماضي اعترضت سيارة كروز لفترة وجيزة سيارة إطفاء ولم تتركها تعبر. وقبل أيام من ذلك بدا أن مركبة أوقفتها الشرطة تبتعد قبل أن ينتهي شرطي من ضبط مخالفة. لكن كروز دافعت عن جدوى أنظمتها قائلة إن “سياراتها اتخذت قرارات آمنة”.

وفي حين أن وايمو التابعة لشركة ألفابت مالكة غوغل، المنافسة قد فرضت رسوما على ركوب سياراتها في ضواحي فينيكس منذ عام 2018، فإن نشر كروز في مسقط رأسها سان فرانسيسكو، وهي منطقة كثيفة السكان وتلال وغير متوقعة، يعتبره خبراء التكنولوجيا التحدي الأكبر.

وتقدم وايمو للموظفين رحلات دون سائق في سان فرانسيسكو منذ مارس الماضي. وقدمت كروز رحلات تجريبية مجانية في وقت متأخر من الليل للجمهور منذ فبراير الماضي.

ولكن هناك عقبة طويلة الأمد وهي أن السيارات ذاتية القيادة لا يمكنها دائما التنبؤ بشكل صحيح بكيفية تفاعل البشر مع الأحداث المتغيرة، بما في ذلك تصرفات المركبة.

ووضعت مشاكل نظام القيادة الآلية في سيارات تسلا في مسار تصادمي مع أفضل جهة تنظيمية لسلامة المركبات في الولايات المتحدة بشأن التكنولوجيا التي كانت أساسية في أن تصبح الصانع الأكثر قيمة في العالم.

وقد يكون هذا الأمر لدى الخبراء مجرد عثرة في طريق طويل بدأ عمالقة الصناعة في اتباعه منذ فترة، لكن آخرين لديهم شعور بأنه سيكون منعطفا لإعادة خلط أوراق كيفية توظيف التقنيات المبتكرة في مركبات المستقبل حتى تصل إلى درجة الأمان المأمولة.

وتواجه الشركة التي أسسها أيلون ماسك انتقادات متكررة بسبب حوادث تسبب بها استخدام سائقين خاصية القيادة التلقائية بعد سلسلة حوادث اصطدام الحواجز وبالسيارات الأخرى وبالمارة إلى درجة أنها باتت تتصدر “القائمة السوداء” بين المصنعين الذين يتبنون هذه التكنولوجيا.

ومر عقد من الزمن منذ أن سمحت كاليفورنيا لأول مرة بإجراء اختبار علني للمركبات ذاتية القيادة، وقد بات الركوب السلس الذي يتبع قواعد المرور هو القاعدة ولكن المفاجآت لا تزال قائمة. وفي عرض عام العام الماضي، وصف براندون باسو، كبير مديري شركة كروز، “عدم اليقين الحركي”، وهو التحدي الذي تواجهه السيارات ذاتية القيادة في التنبؤ بأفعال البشر على الطريق واتخاذ قرار، على سبيل المثال، عند الاستسلام.

وتدافع كروز بشراسة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقول إن مركباتها تتفهم الديناميكيات الاجتماعية المعقدة وتتحوط ضد عدم اليقين من خلال اتخاذ إجراءات آمنة.

وحتى مسؤولي سان فرانسيسكو الذين طعنوا في التصريح قالوا إنه رغم “الاستثناءات الواضحة، يبدو أن كروز أي.في تعمل بشكل عام كسائق دفاعي حذر ومتوافق.”

وقالت وايمو لرويترز إنه على الرغم من أن السيارات ذاتية القيادة يمكن أن تتكيف مع ما يخالف القواعد القريبة، فإن “الخطأ البشري أو السلوك مثل انتهاك قواعد الطريق الذي يختلف عن أنماط السلوك المحتملة هو عامل في عدد غير متناسب من الاصطدامات”.

ولا تكشف كروز عما يقول ثلاثة موظفين سابقين أنهما إحصائيتان أساسيتان للسلامة داخليا كم مرة تواجه سياراتها مواقف جديدة أو تواجه ما تسميه “الحوادث الخطيرة للسلامة”، وهي مزيج من الحوادث وحوادث وشيكة.

وتظهر السجلات العامة أن كروز مع أجهزة الكمبيوتر الخاصة بها عانت من 34 حادثا تنطوي على أضرار جسدية أو أضرار تزيد عن ألف دولار عبر ما يقرب من 3 ملايين ميل من القيادة خلال فترة أربع سنوات انتهت في مايو 2021.

وتظهر الوثائق التي لم يتم تعديلها من قبل كروز في فبراير الماضي استجابة لطلب من رويترز محاولاتها لتجنب تكرار الاصطدامات.

وبالنسبة إلى نحو 28 حالة، تابعت كروز إصلاحات تكنولوجية جوهرية، والتي غالبا ما كانت مرتبطة بتحسين التنبؤات لما سيفعله البشر.

كما أنها خففت بعض القواعد بما في ذلك الاستجابة لحادث حصل في عام 2019 الذي يسمح للسيارة “بضبط الالتزام الصارم بجميع الممرات المحددة”، بحيث يمكنها التحرك حول الشاحنات المتوقفة أو راكبي الدراجات البطيئين.

وأدت بعض الحوادث إلى دعاوى قضائية. ورفع راكب سكوتر دعوى قضائية يشكك في تجربة السيارات ذاتية القيادة في الأماكن العامة، ضد كروز.

وقال كريستوفر ماكليري، الذي حسم دعواه الشهر الماضي، إنه عانى من إصابات مستمرة من اصطدامه بسيارة كروز حينما توقفت بشكل غير متوقع في عام 2018.

وأضاف “لسوء الحظ أشعر أن كروز تعلمت من ضربي وهذا في الواقع تضحية وكان علي ملاحقتها حتى تصبح سياراتها أفضل في التنبؤ بالمواقف”.

وسعت وايمو في يناير الماضي لاستصدار أمر من المحكمة للحفاظ على سرية بياناتها القابلة للمقارنة واصفة إياها بأسرار تجارية. ولم تعارض الجهات المعنية الطلب، وظلت سجلات الشركة منقوصة.

وتعكف العديد من الشركات المتخصصة في التكنولوجيا على مشاريع لسيارات ذاتية القيادة منها أبل وهواوي، كما أن شركات لصناعة السيارات دخلت على الخط، ومن المحتمل أن تطرح سيارات ذاتية القيادة في غضون سنوات معدودة.

وتضم اللائحة شركات مثل أودي وبي.أم.دبليو وكرايسلر ونيسان وفورد وهوندا ومرسيدس وبيجو سيتروين وتويوتا وفولكسفاغن وفولفو وآيكون، بالإضافة إلى العديد من الشركات والموديلات الأميركية.​