+A
A-

إلى متى والسينما الخليجية لا تعتمد على الأعمال الأدبية؟

في العام 1971 وبمناسبة مرور 150 عاما على مولد دستويفسكي نظم مسرح الفيلم القومي في لندن برنامجا تضمن 22 فيلما روائيا طويلا معدة عن روايات الكاتب الروسي، وتضمن البرنامج 6 أفلام عن رواية "الجريمة والعقاب"، 4 أفلام عن رواية "الليالي البيضاء"، 3 أفلام عن رواية "الأخوة كارامازوف"، وفيلمين عن رواية "المقامر"، وفيلمين عن رواية "كروتكايا"، وفيلما عن رواية "بيت الموتى". وكانت هذه الأفلام من الإنتاج السوفيتي والأميركي والإيطالي والفرنسي والألماني والياباني.

ويوجد في الساحة الخليجية لفيف عظيم من الكتاب ذوي الجماهيرية العريضة كتبوا القصة والرواية، ولكن نلاحظ أن كل أولئك الأدباء والكتاب بعيدون عن سوق السينما، بمعنى أن أعمالهم لا تقدم إلى الشاشة.

وهنا لا بد أن نتطرق إلى معلومة قد تكون خافية عن البعض، وهي أن العمل الأدبي له ميزة، والعمل السينمائي له ميزة أخرى، العمل الأدبي رواية كانت أو مسرحية يمتاز بتوافر أعمق وأطول على دراسة موضوع، وهو بذلك يتيح للسينما مادة شديدة الغنى والتنوع، لكن في الوقت نفسه يسير وفقا لمنهجه الخاص، ومن هنا تنشأ كثير من الصعوبات لتحويله إلى سيناريو سينمائي. والعمل السينمائي ربما لا يتوافر له العمق والشمول، الذي يتوافر للعمل الأدبي، ولكن يراعي عند وضعه جميع متطلبات السينما، ولذلك يجيء مادة أقدر على الاستجابة للأداة السينمائية، وأقدر بالتالي على النجاح.

لا نريد أن نقارن ساحتنا الخليجية ببقية دول العالم العربي التي استفادت من الأعمال الروائية وحولتها إلى أعمال سينمائية ناجحة، ولكن لتكن عندنا محاولات خاصة بوجود كتاب سيناريو متميزين ولو أنهم مع الأسف قليلون جدا، ولا أعني بكتاب سيناريو المسلسلات، فهؤلاء في رأي الشخصي لم يصلوا بعد إلى موهبة تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي، فكثيرا ما رأينا أدباء كبارا قدموا رواياتهم للسينما، ولم يتصدوا هم لمعالجة السيناريو، تاركين تلك المعالجة لغير القادرين، أو عكفوا على وضع السيناريو وهم يجهلون التكنيك الخاص، فأخذوا يفكرون بالكلمات لا بالصور، وتكون النتيجة إنتاج أفلام مختلفة عن الرواية الأصلية أو فاقدة الارتكاز على العنصر الجوهري في الفن السينمائي وهو الصورة المتحركة التي تعتبر الخاصية الأساسية في حرفية السيناريو.

في تصوري الشخصي أن على المهرجانات السينمائية بمختلف مسمياتها وأهدافها التي تقام في دول الخليج، أن تكون مدرسة ثقافية بشكل أعمق، من خلال تنظيم ورش عمل طويلة الأمد لخلق كتاب سيناريو قادرين على استلهام جمال الأعمال الأدبية الخليجية، وجعلها مصدرا للوحي السينمائي، ومن ثم الخروج بعمل لائق بإنتاج مشترك، ولكن الأساس الحقيقي هو مدى تعاون المهرجانات السينمائية في الخليج ورغبتها في العمل في محيط واحد، ليس لرفع مستوى الفيلم الخليجي القصير، وإنما لإنتاج فيلم روائي طويل مأخوذ من قصة أو رواية لأحد رموز الأدب في الخليج وهم كثر منهم على سبيل المثال الروائي المبدع أحمد جمعة الذي له نصيب وافر وإسهام جليل في ميدان الرواية العربية، وكذلك أمين صالح المسكون بالإبداع، وجمال الخياط، وفريد رمضان، ومن السعودية عبده خال، ومن الكويت إسماعيل فهد إسماعيل، وجوخة الحارثي من سلطنة عمان، وغيرهم الكثير من بقية دولنا الخليجية لا يتسع المجال لذكرهم.

بالتجربة الصادقة يمكننا أن نصنع فيلما روائيا خليجيا يصبح شيئا مهما في تاريخ السينما العربية، فإلى متى والسينما الخليجية لا تعتمد على الأعمال الأدبية؟