العدد 5024
الأحد 17 يوليو 2022
banner
عزلة العصر
الأحد 17 يوليو 2022

كنت في زيارة سريعة لإحداهن، حدثتني عن أمور كثيرة، قارنت بين ماضيها وحاضرها وسط اندهاش من احتمالات مستقبلها، سألتني إن كنت سعيدة، فأجبت بإيماءة راضية، فما أجمله من سؤال يداعب دفء روحي، فلا جاه ولا مال أهم من لحظة سعادة، ثم أخذت بيدي في حديث ظريف مليء بالحكايات واستحضار المواقف والطرفات، ثم تنفست بحرقة وقالت لي إنها تعيش في عزلة، ثم صمتت هنيهة وأردفت قائلة “إنها عزلة العصر”، سكت أنا وسكنت علّي أفسح لها الوقت الكافي لتوضح لي شعورها.
قالت لي إن الأيام أصبحت لا تشبهها ولا المواقف ولا حتى البشر، شكت لي التكنولوجيا الشرسة التي ألهت فلذات كبدها عن زيارتها والاكتفاء بالحديث البارد من خلال كاميرا الهاتف، قالت لي إن الحياة موحشة وصعبة رغم أنها في غاية السهولة، فلا أصعب مما عايشته في طفولتها وشبابها في القرن الماضي، لكن ما حل بالبشر أصبح كفيلا بتحويل كل سهل حقيقي إلى صعب ميؤوس منه، فلا مشاعر حقيقية ولا جلسات حقيقية ولا حياة حقيقية تلك التي نعيشها الآن من وجهة نظرها، استمعت لها بتمعن واستمرت في الحديث، ثم انتبهت فجأة وسألتني إن كانت قد أثقلت؟ أجبت بـ “لا”، لكنني مرغمة على الرحيل، طلبت مني البقاء لكنني حقا كنت متعبة والليل شارف على الانتصاف، سحبت لي من ثلاجتها أحب الأكلات إلى قلبي وغمرتني بعطائها، وطلبت مني زيارة أخرى لعلي أنا وغيري ننتشلها من عزلتها.
من جديد
سيدتي الجميلة صاحبة العقل الرصين، شاعرة الزمان صاحبة المجد والعلم والجاه.. إنها الحياة، من صخب لصخب، وقد تنتهي بنا إلى صخب العزلة لكنك مازلت كما أنت جميلة، كما عهدتك وأنا طفلة، قوية كما كنت دائما، منفتحة كالوردة التي تنثر عطرها، أكتب لك من جديد علك تقرأين لي كلمات بسيطة تؤنس قلبك وتبهج روحك.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية