العدد 5036
الجمعة 29 يوليو 2022
banner
فلسفة التفاهة
الجمعة 29 يوليو 2022

ليست عشوائية الظهور، بل العالم يصنعها ويسوق لها، التفاهة نظام بات ينتشر في زمن العولمة والسوشال ميديا ليسود ويسيطر في عصر لا يقيم فيه الفرد وزنا للمبادئ والقيم، ولا يمتلك حس المسؤولية أو الضمير المهني اللذين يقودان به للإخلاص والإتقان المفضيين لتحسين الإنتاج ودعم الاقتصاد القومي للأمم.. أينما تول وجهك فثمة مصانع للتفاهة باختلاف أشكالها، فمن تفاهة ثقافية لتفاهة سياسية لتفاهة فنية، وحدث ولا حرج.
إن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا أساسيا في نشر هذه التفاهة، حين يوجه بعض المشاهير متابعيهم باتجاه خاطئ للكسب وجمع المال، ويزينون لهم ذلك حين يجدون أن طرق الكسب لم تعد توجد باحتراف مهنة ما، أو بالعيش على راتب من وظيفة لدى شركة أو دائرة حكومية، فيجدون أن الربح السريع للمال يتحقق باقتفاء أثر هؤلاء المشاهير الذين لا يملكون محتوى حقيقيا يقدمونه سوى التفاهة، وبدورهم يصدرونها لمتابعيهم، أولئك الذين تظهر عليهم عوارض التفاهة في زمن قصير جدا من المتابعة، تلك العوارض التي تفشت بصورة مخيفة بين شبابنا الذين فقدوا الرغبة في التعلم والحصول على الشهادة الجامعية؛ فهي بحسب مفهومهم لن تحقق لهم ما يحلمون به من الثراء والكسب، كأن المال الهدف الأساس، وهو الوسيلة للرقي بالذات وإضفاء القيمة للفرد، في مجتمع يقيم فيه المرء بما يملك من ثروة، لا بما يتحلى به من الخلق الكريم والتمسك بالدين القويم، والارتقاء بالذات من خلال دورات تنمية الذات وتطويرها.
صناع التفاهة لا يغردون خارج السرب، بل يعملون ضمن منظومة جادة لتصنيع التفاهة وتفريخ الكسل، هؤلاء يروجون لفكرة الراحة والبلادة وأن لا شيء يستحق العناء وبذل الجهد والشقاء في هذه الحياة السهلة غير المعقدة.. قدم تفاهة واربح المال، كن تافها لا مباليا واستمتع بالعيش، "طنش تعش تنتعش"، ابتعد عن السلبية واترك المشاكل دون حلول، تبضع المنتجات التافهة واجمع القطع النادرة التافهة، والهدف هو تخريج جيل تافه لا ينخرط في الإنتاج.
فلسفة التفاهة هذه تقوم على مبدأ الحرية الشخصية التي تخول للفرد عرض ما لديه حسبما يشتهي، ضاربا بالعادات والقيم والذوق العام عرض الحائط، ومهملا أو منتقدا كل التعليقات والانتقادات بشراسة المدافع عن تفاهته، فيبرر ظهوره بمظهر أنثى وهو ذكر، وتبرر شكل جسدها الغريب، ويبرر آخر ظهوره في مشهد خادش للحياء. 
هذا النظام أو تلك الفلسفة التي لبست لباس الحشمة لتعري القيم، قد آن أوان التصدي لها ونشر الوعي المناهض لها وفرض قوانين صارمة على المصنعين للتفاهة ومستخدميها ومتابعيها، ونشر ثقافة العمل والسعي والبذل والعطاء وأهمية النهوض بالقيم الإنسانية النبيلة.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية