+A
A-

هكذا يمكن الاستعداد للتضخم وتجنب آثاره السلبية

مع استمرار تفاقم ظاهرة التضخم التي انتشرت منذ عامين لتطال معظم دول العالم وخصوصاً الدول الناشئة بشكل غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، يطرح اقتصاديون حلولاً لإمكانية التأقلم مع هذه الظاهرة وتجنب آثارها السلبية، ويأتي في مقدمتها تقبل فكرة تغيير النمط الاستهلاكي وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، والسعي إلى زيادة الدخل الأسري عن طريق العمل الإضافي أو المشاريع متناهية الصغر، وزيادة المهارات المهنية.

وبدأت دوامة ارتفاع الأسعار عالمياً مع انتشار فيروس كورونا نهاية عام 2019 ما أحدث موجة تضخمية أثقلت كاهل الاقتصادات والمستهلكين نتيجة تعطل سلاسل التوريد خلال إغلاق الحدود بين الدول في العام 2020، وما أن اقترب العالم من التعافي من آثار الجائحة وارتداداتها حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، محدثة موجة تضخمية أخرى لترفع أسعار الغذاء والطاقة بشكل حاد.

فالتضخم الذي تعاني منه أغلب الدول، ولاسيما متوسطة ومنخفضة الدخل ناجم عن عوامل متداخلة، فهو في المقام الأول تضخم مدفوع بزيادة التكاليف على مستوى العالم، نتيجة ارتفاع أسعار الوقود والحبوب بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وثانياً هو تضخم مستورد محمول على السلع المستوردة التي ارتفعت أسعارها عالمياً، بمعنى أنه ليس تضخماً هيكلياً أو تضخماً ناجماً عن عوامل داخلية (زيادة الدخول أو زيادة المعروض النقدي)، لكن ورغم ذلك يجب عدم إغفال العوامل غير الاقتصادية التي تجعل من هذا التضخم مؤلماً بالنسبة لمواطني الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، وفقاً للخبير الاقتصادي الدكتور عماد المصبح.

والمشكلة الأساسية، بحسب ما يقوله الدكتور المصبح في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن أفراد مختلف المجتمعات تحاول في حالة الاستقرار التعود على أنماط استهلاكية تجد صعوبة بالغة في التخلي عنها عند تراجع الدخل أو ارتفاع الأسعار (أو بمعنى تراجع القدرة الشرائية لتشمل العاملين معاً)، هذه العوامل النفسية -الاجتماعية أسهمت في ظل الظروف الراهنة بزيادة الشعور بالألم الاقتصادي (إذا جاز التعبير) أو الشعور بالحرمان الجزئي".

من هذا المنطق النفسي – الاجتماعي يتلمس الخبير الاقتصادي حلولاً لتخفيف آثار التضخم العالمي لطالما نادى بها بعض الاقتصاديين من قبيل "إذا ارتفعت الأسعار توقفوا عن الشراء"، وتعني هذه العبارة، بحسب الدكتور المصبح: "أنه يجب علينا تقبل فكرة تغيير النمط الاستهلاكي لمواجهة غول التضخم، ويجب إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الاستهلاكي الفردي والأسري، ومن ناحية ثانية، أنصح بالتمسك بالعمل الحالي والعض عليه بالنواجذ حتى ولو انخفضت الأجور أو المزايا المضافة إلى هذه الأجور".

من جهتها، تقول الدكتورة نيفين حسين شمت المختصة بالشؤون الاقتصادية الدولية: "ينتج عن التضخم ارتفاع القدر المخصص من موازنات الأسر والشركات والحكومات الإنفاق على الاستهلاك ومن ثم تقليل قدرتها على الادخار والاستثمار في المستقبل، كما أن التضخم يُحدث تفاوتاً في توزيع الدخول لصالح أصحاب الثروات، فيما يتضرر جراء التضخم العمال والموظفين نظراً لانخفاض القيمة الحقيقية لأجورهم ورواتبهم حال ارتفاع معدل التضخم، وهذا التفاوت يهدد الاستقرار الاقتصادي الضروري لدفع عجلة التنمية".

ولتحجيم الآثار السلبية للتضخم، توضح الدكتورة شمت في حديثها لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": إنه "على الأفراد ترشيد الاستهلاك وإتباع الأسر سياسة معيشية تقشفية تتمحور حول تقليص الكميات المستهلكة من الطعام، واللجوء إلى شراء الملابس الرخيصة أو المستعملة، والسعي إلى زيادة الدخل الأسري عن طريق العمل الإضافي أو المشاريع متناهية الصغر، والامتناع عن استهلاك سلع الرفاهية".

وتضيف الدكتور شمت: "إن أفضل ما يمكن القيام به من قبل أفراد المجتمعات لحماية أنفسهم من التضخم صقل مهاراتهم والسعي لأن يكون الشخص في القمة بمجال عمله بمعنى أن يستثمر بنفسه".