العدد 5091
الخميس 22 سبتمبر 2022
banner
آل خليفة وآل سعود.. الزيارات المتبادلة
الخميس 22 سبتمبر 2022

تؤكد الكثير من الوثائق والمصادر المتوفرة عمق العلاقات الراسخة بين آل خليفة وآل سعود، والتي ميزتها الزيارات المتبادلة بين الملوك والأمراء وشيوخ الدولتين الشقيقتين والتي استمرت ولازالت مستمرة على مدى عشرات العقود، وستبقى مستمرة نتيجة لخصوصيتها التي تتمثل في صلة القربى بين الأسرتين الكريمتين بانتمائهما إلى قبيلة واحدة هي قبيلة (عنزة)، وهو ترابط زاد قوة ومتانة بشكل كبير في عهد صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود لدرجة أصبحت مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وطن واحد.
وقد عرف عن صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود حبه الخاص للبحرين وشعبها فاعتبر المواطن البحريني بمثابة المواطن السعودي. فقد نشرت مجلة (صوت البحرين) في عددها الخامس من السنة الثانية، الصادر في جمادى الأولى سنة 1371هـ المرسوم الملكي الذي أصدره جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود والذي اعتبر فيه المواطن البحريني بمثابة مواطن سعودي في جميع المعاملات. وجاء الخبر الذي نشرته مجلة (صوت البحرين) وفق النص الأتي: “أصدر حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود مرسومًا ملكيًا يقضي بأن يعامل كل وافد من رعايا حكومة البحرين إلى المملكة بنفس ما يعامل به السعودي من امتلاك وأخذ مقاولات وغير ذلك مما يتمتع به كل سعودي”.
وحري بالذكر أن الزيارات المتبادلة بين الملوك والأمراء والشيوخ من كلا البلدين الشقيقين تضرب بجذورها في عمق التاريخ. فقد تم توثيق بداية تلك الزيارات بالزيارة التي قام بها الأمير سعود بن فيصل بن تركي إلى البحرين في شهر فبراير 1871م الموافق ذي القعدة 1287هـ. وشهدت هذه الزيارة قيام الأمير سعود بن فيصل بن تركي إهداء الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين السيف المعروف بالسيف (الأجرب) تقديرًا منه لمقام الشيخ عيسى بن علي آل خليفة. ومثلت تلك الهدية المكانة التي يحظى بها صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة لدى الأسرة السعودية.
كانت تلك الزيارة فاتحة خير لتبادل العديد من الزيارات بين الأسرتين الكريمتين. فقد شهد عام 1876م قيام الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود والد الملك عبدالعزيز آل سعود بزيارة البحرين التي وصلها ليلًا، فاتجه مباشرة إلى مدينة المحرق التي هي سكن صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة.
وقام الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود بزيارته الثانية إلى البحرين في عام 1890م، واصطحب في هذه الزيارة أبنه الملك عبدالعزيز، فأكرم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وفادتهم.
ازدادت العلاقات بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية متانة ورسوخًا عندما تولى الملك عبدالعزيز آل سعود مقاليد الحكم، وتم تبادل الزيارات بين العاهلين، وبصورة خاصة في عقد ثلاثينيات القرن العشرين. ففي 27 فبراير 1930م شهدت البحرين زيارة الملك عبدالعزيز آل سعود. وجاءت هذه الزيارة بعد حضور جلالته اجتماع جمعه والملك فيصل الأول ملك العراق من أجل دعم العلاقات الودية بين البلدين الجارين، حيث عقد الاجتماع على ظهر سفينة تسمى (لوبين) كانت راسية في مياه الخليج العربي.
وبعد انتهاء الاجتماع قام الملك عبدالعزيز آل سعود بزيارة إلى البحرين مباشرة، وكانت تلك الزيارة مفعمة بالعواطف الجياشة واستقبل استقبالًا حارًا. فقد وصف السيد (برايور) المعتمد البريطاني في البحرين الاستقبال الرائع الذي استقبل به الملك عبدالعزيز آل سعود في البحرين من قبل خمسة آلاف شخص من أهل البحرين. وكان يرى (برايور) ذلك الاستقبال الرائع أكثر من رسمي كما هي العادة عندهم في الغرب، لدرجة أن حرس الشرف شاركوا في الاستقبال، ودخل الملك في السيارة المخصصة له بصعوبة لكثرة الجماهير المستقبلة.
عبرت الزيارات المتبادلة بين آل خليفة وآل سعود عن متانة العلاقات الحميمة بين الأسرتين الكريمتين، وحرص الجانبان على الاستفادة من المناسبات لتبادل الزيارات. ففي عام 1937م وصل صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البلاد إلى الظهران في موكب كبير ضم بعض أفراد أسرته للسلام على صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالعزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية بمناسبة قيام سموه بزيارة المنطقة الشرقة.
ورد سمو الأمير سعود بن عبدالعزيز على تلك الزيارة بقيامه بزيارة البحرين في 15 ديسمبر من نفس عام 1937م لحضور احتفالات البحرين بعيد جلوس صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. وغادر سمو الأمير سعود بن عبدالعزيز البحرين في 19 ديسمبر 1937م. 
من بين الزيارات المهمة التي قام بها صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود إلى مملكة البحرين، تلك الزيارة التي تمت في 2 مايو من عام 1939م وكان يرافق الملك عبدالعزيز آل سعود الأمير سعود والأمير فيصل وأفراد من الأسرة السعودية. وكان في استقبالهم صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين وكبار أفراد أسرته. ودامت زيارته خمسة أيام حيث غادر البلاد في السابع من مايو 1939م.
قدم الملك عبدالعزيز آل سعود دعوة إلى صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى لزيارة المملكة العربية السعودية، فلبى الدعوة وقام في نفس عام 1939م بزيارة إلى المملكة كما توجه إلى مكة لأداء فريضة الحج. 
كثرة الزيارات المتبادلة في عهد صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين، والتي منها قيام سموه بزيارة المملكة العربية السعودية في عام 1965م والالتقاء بجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود. كما قام جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز بزيارة رسمية إلى البحرين في شهر مارس 1976م.
يعد اليوم الحادي عشر من نوفمبر 1982م يومًا مهمًا في تاريخ البحرين والمملكة العربية السعودية، ففيه أزيحت الستارة عن اللوحة التذكارية لمشروع جسر الملك فهد في احتفال حضره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين. وبعد اكتمال تشييد الجسر تم افتتاحه في عام 1986م بحضور خادم الحرمين الشريفين وسمو الأمير.
استمرت الزيارات بين قادة المملكتين الشقيقتين بزخم كبير في عهد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم. ففي عام 2010م زار البحرين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود خادم الحرمين الشريفين، وقدم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة السيف (الأجرب) إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وهو السيف الذي قام بإهدائه الأمير سعود بن فيصل بن تركي إلى صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين أثناء زيارة الأمير سعود بن فيصل بن تركي البحرين في شهر فبراير من عام 1871م والذي تم الاحتفاظ به حتى عام 2010م زهاء 139 سنة.
خاطب جلالة الملك المعظم ضيفه خادم الحرمين الشريفين أثناء تقديمه السيف قائلًا: “لقد ظل هذا السيف رمزًا من رموز العائلة الواحدة والأصل الواحد والموقف الواحد على مر السنين، ولقد ارتأينا بهذه المناسبة المباركة أن يكون مكانه بين أيديكم الكريمة تذكارًا لما بناه الأولون، وأمانة خالصة للأخوة الحقيقية والتاريخية بيننا وللتكاتف والتلاحم بين الشعبين السعودي والبحريني، وهي حقيقة يذكرها التاريخ للقائد المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في هذا القصر العامر، حين قال لأخيه الجد صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة رحمهما الله : إن القلوب مجتمعة إلى يوم الدين”.
رد خادم الحرمين الشريفين بقوله: “إن سيف الإمام تركي الذي تقدمونه اليوم لأخيكم بما يحمله من رمزية تاريخية بالنسبة لنا ولكم، تعبر عن مكارم الاخلاق والقيم التي حفظته، وصانته، وأكرمته، عندما حل في وطنه الآخر البحرين. فشكرًا لكم ولأهلنا شعب البحرين الشقيق”.
من بين الزيارات المهمة التي شهدتها مملكة البحرين زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى مملكة البحرين في عام 2016م حيث التقى بحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وقوبلت تلك الزيارة بالحفاوة والترحيب، فهي تعبر بشكل جلي عما يجمع المملكتين والشعبين الشقيقين من أواصر الأخوة والمحبة.
وبعد مضي أقل من عامين على زيارة خادم الحرمين الشريفين لمملكة البحرين، قام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بزيارة مملكة البحرين في نوفمبر من عام 2018م والتقى بحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حيث تؤكد تلك الزيارة المستوى المتميز الذي وصلت اليه العلاقات بين البلدين الشقيقين.
ومما يؤكد عمق العلاقات بين آل خليفة وآل سعود مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بتوجيهه إصدار مجلد فخم مصور يوثق سيرة حياة الأمير الراحل. وجاء في بداية التصدير الذي كتبه الملك حمد بن عيسى آل خليفة تحت عنوان (صور القيم في صور الواقع): “لقد جاءت مبادرة جميلة من صاحب السمو الملكي الأمير الأخ سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز -رئيس مؤسسة التراث الخيرية بالمملكة العربية السعودية- بقيام هذه المؤسسة الفتية بإصدار مجلد مصور عن والد الجميع، صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، أميرنا الراحل طيب الله ثراه، وذلك بعد إصداراتها اللافتة والممتازة عن الملك الموحد المصلح عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، وأبنائه الملوك الغر الميامين من بعده -رحمهم الله- الذين دخلوا التاريخ، وأصبحوا في ذمة الله. فصار من الواجب توثيق حياتهم وسيرهم وإنجازاتهم للأجيال الجديدة ولسائر الباحثين والمؤرخين”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .