العدد 5101
الأحد 02 أكتوبر 2022
banner
الجامعات مراكز تنوير وإشعاع
الأحد 02 أكتوبر 2022

ربما يكون الحديث مناسبًا ونحن نخطو أولى خطوات العام الأكاديمي الجديد، لقد قالها ميثاق العمل الوطني واضحة في ديباجة لا تخطئها عين، أن الجامعات مراكز إشعاع علمي وحضاري، وحتى تصبح ذلك، انطلاقًا من الأساس البنيوي الذي تم بناءً عليه منح الترخيص بإنشاء الجامعات الأهلية والخاصة، لابد إذًا من أن تكون جامعاتنا بحق مراكز إشعاع علمي وتنويري وحضاري، وحتى تصبح كذلك لا يجب أن نخلط الحابل بالنابل، وأن نركن إلى الاستسهال ونحن نسعى لكي يكون التميز والإبداع هو حجر الزاوية في العمل الأكاديمي.
وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمان أعترف بأننا حققنا جزئيًا الشق التنويري فيما يتعلق بالعلوم، بالتقنية، بالتكنولوجيا التي تمكننا من إجادة استخدامها بل ومن تطويعها في إيجاد حلول برمجية لكل ما يصادفنا من مشاكل حياتية وآخرها وأهمها ما تعرض له الوطن من هجمة جائحية شرسة مازلنا نعاني من تداعياتها ربما حتى الآن.
وللحق أقول: إن ما تحقق كان بفضل البنية التحتية التكنولوجية التي وفرتها الدولة لنا حتى جعلت من فضاء الانترنت واقعًا متاحًا لجميع المؤسسات وبتكاليف في متناول اليد.
لكن سؤال اللحظة هو: هل حققنا ذلك فيما يتعلق بالآداب والفنون، بالقصة والرواية والشعر والموسيقى؟
وللتاريخ أعترف: إننا وللأسف الشديد لم نحقق في هذا المضمار الصعب ما نصبو إليه، صحيح أننا نمتلك من المبادرات والكوادر ما هو كفيل بأن تكون ضربة البداية مبشرة، لكن الصحيح أيضًا أن المشوار طويل؛ كونه يعتمد على القدرات شديدة الخصوصية، على الأعمال الذاتية، والإبداعات الفردية، و.. نظرًا لأن الإبداع لا يُدرس، لكن يمكن التحريض عليه، وأن التميز لا تتوفر له بروتوكولات يمكن الاستعانة بها، لكن يمكن التوجه إليه، فإننا نرى بأن الاحتكاك المعرفي هو الذي يولد إبداعًا، والتنوع الثقافي يحفز على التميز والإضافة، والتواصل الممسرح على أرض الواقع هو الذي يدفع بالمواهب لكي تتألق، وبالخبرات لكي تجد لها مكانًا تحت الشمس في جامعاتنا.
منذ أيام استمعت إلى برنامج إذاعي يتحدث فيه بعض أدبائنا عن دور الجامعات في هذا المضمار، وقرأت في أكثر من صحيفة وأكثر من موقع الكتروني معتبر عن دور الجامعات ورسالتها في خلق مناخ يحض على الإبداع، ويحرض على التفكير، ويصنع من أجيالنا الطالعة شعراء وأدباء وفنانون في جميع مجالات الإبداع.
هي صناعة بلا دخان، وبناء من دون ضجيج، وتشكيل أذواق من دون تكلفة، إنها النقلة النوعية القادمة في جامعاتنا، الربط الدقيق بين ما حققته العلوم، وما يجب أن تحققه الفنون والآداب، ما أنجزته التقنية الفارقة وما ينبغي أن تنجزه المواد النظرية بحسها الرؤيوي، ووصفها البهيج، ووضعها الذي لا تحسد عليه.
كيف يمكن أن تنضم جامعاتنا إلى مصاف المبدعين وليس المتحققين فحسب؟ كيف يتسنى لنا إخراج أجيال على درجة عالية من التألق والتميز وصناعة الحضارة؟
إن الأمم التي تحققت لم تتخل عن الكتاب لصالح الهاتف الذكي، ولم تترك القلم لأنها تتقن التعامل مع الحاسوب، ولم تلقِ بالمسطرة “حرف تي” إلى الجحيم لأن التكنولوجيا الفارقة والذكاء الاصناعي يمكن أن يحقق لنا كل شيء.
هذه هي الحالة الاستثنائية للدمج بين ما كنا فيه وما نسعى لكي نكون عليه، بين الأمس واليوم وصولاً للغد السعيد والمستقبل المشرق الجميل، فهل تتحقق الآمال؟ سؤال مطروح للمناقشة، ودور مطلوب من الجامعات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية