+A
A-

"مسرح سارتر... مفاهيمه وقيمه وتكنيكه"

لن أتحدث عن وجودية سارتر، بقدر ما أستحدث عن روعة مسرحه وموقعه من الأدب العالمي، فسارتر وإن كان مثل كل المؤلفين العالميين يجب أن نعرف فلسفة كل منهم لنعرف إنتاجه المسرحي، إلا أن سارتر بالذات يختلف عن جميع المؤلفين العالميين الذين سبقوه، لأن فلسفته تختلف عن فلسفتهم، بل إن فلسفته تختلف عن الفلسفة عامة اختلافاً جوهرياً، ولهذا يختلف مسرحه اختلافاً جوهرياً عن المسرح بالمعنى المألوف.
قرأت مسرحية "الذباب" ومسرحية "سجناء التونا"وكلها مسرحيات وجدت فيها دعوة للإنسانية وللحرية، وهي ليست دعوة أدبية وفنية، بل هي دعوة للسلوك لتحقيق حرية الإنسان، ومن هنا نشأت مسؤولية الأديب المسرحي، والأديب في مختلف الآداب، والفنان في مختلف الفنون، والإنسان المفكر بصفة عامة وبلا استثناء.
من هنا نجد سارتر مدافعاً عن الحرية في كل مكان، ولكل الشعوب، وإذا كان سارتر قد تجاوز بعض مواضعات الفن المسرحي، فإنه كما خلق شخصياته المسرحية وأحداثه المسرحية في إطارات جديدة، خلق أيضاً الدعوة الفنية في المسرح بأسلوب جديد دون أن يخرج على جوهر التناول المسرحي بأدق ما في هذه العبارة من معنى، رغم أن مسرحية" الذباب" بالذات تكاد تكون تطبيقاً لفلسفته أو تفسيراً لها.
إن مسرح سارتر له خصائص معينة تفرد بها، أو تفرد بإعطائها معانيَ لم تتكرر في أي مسرح، وليس في هذا أي مفاضلة بين أساتذة الفن المسرحي، وإنما أحاول الإشارة إلى هذه الخصائص بمحاولة تحديدها ، فمثلاً الحتمية في مسرح سارتر ليست هي الحتمية المألوفة في المسرح الارسططاليسي، وإنما هي حتمية أن تختار وحتمية أن تتغير وأن تواجه وأن تعاني، وأيضاً هو يختلف عن غيره في مفهوم الماهية والوجود، ليس فقط لأنه قلب الترتيب بينهما، وإنما لأنه استخدم معانيَ خاصة بفلسفته ومسرحه من هذا القلب.
كثير من الناس مازالوا يحاولون تفسير مسرح سارتر في ضوء ما قاله هو نفسه قبلاً "أريد أن يتجه الإنسان باحثاً عن نفسه إلى داخل نفسه حيناً، وإلى التمرد حيناً... أريد أن يتجرد الناس من أوهامهم التي يحتمون خلفها... أكره الانكماش داخل حصن فكري يمنع دخول الحقيقة".
عموماً... لمسرح سارتر خصوصيته وله مفاهيمه وقيمه وتكنيكه ومصطلحاته الخاصة به، وإن اختلف البعض معه فكرياً وفنياً خاصة في تفسير الكون والوجود وحق الإنسان المطلق في الاستفسار عن حقيقة مركزه في الوجود المهول من حوله.