العدد 5132
الأربعاء 02 نوفمبر 2022
banner
البحرين.. التعايش ومسارات التلاقي الإنساني
الأربعاء 02 نوفمبر 2022

على بعد ساعات قليلة تنطلق من أرض مملكة البحرين، مسيرة إنسانية جديدة، تدفع الشرق والغرب في مدارات التلاقي ومسارات الأخوة، وبهدف أخلاقي رفيع، موصول بالتعايش الإنساني.
ربما لم تكن البشرية بحاجة ماسة لمثل ذلك اللقاء، بقدر ما هي الآن، وعلى غير المصدق، مراجعة أحوال العالم، والذي يكاد يقترب من الانفجار على كل الأصعدة، عسكريا، واقتصاديا، ويبدو الضيق في الصدور على أشده، ما ينذر بخطر قائم وقادم. هناك حاجة، في أجزاء كثيرة من العالم، إلى مسارات سلام تقود إلى التئام الجروح، وهناك حاجة إلى صانعي سلام، مستعدين للشروع في عمليات الشفاء والتلاقي، ببراعة وجرأة. 
يجيء منتدى البحرين ليجمع نخبة من العقول العالمية، وبمقدمة غاية في الأهمية، تتمثل في الحبر الأعظم البابا فرنسيس، وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، وجل الهدف الذي يسعى وراءه الجميع، هو تغيير أحوال العالم المأزوم، والعودة إلى مسارات التلاقي البشري، حيث الكل في واحد. 
في رسالته البابوية العامة المعروفة باسم FRATELLI TUTTI يذهب البابا فرنسيس إلى أن التلاقي يعني العودة إلى ما قبل الصراعات. فقد تغيرنا جميعا بمرور الوقت، لقد غيرنا الألم والمواجهات، وكذلك لم يعد هناك مكان للدبلوماسية الفارغة، والتمويه، والخطب المزدوجة، والتستر، ولا للسلوكيات الحسنة ظاهريا التي تخفي الواقع، فالذين تواجهوا بقوة فيما بينهم يتحدثون انطلاقا من الحقيقة، الواضحة والمجردة، عليهم أن يتعلموا كيف ينمون ذاكرة تساعدهم على التسامح والتصالح، وعلى تحمل مسؤولية الماضي كي يحرروا المستقبل من أي استياء، أو ارتباك، أو نظرة سلبية. 
يتساءل المراقب المحقق والمدقق عن أحوال القارة الأوروبية القادم منها البابا الروماني، حيث تعطي مثالا لانسداد تاريخي في مسارات التعايش بين الأوروبيين أنفسهم. ماذا يعني ذلك؟
باختصار غير مخل، يفيد بأن قنوات الحوار، وفكرة قبول الآخر، والتعايش مع المغاير عرقا أو لغة، مذهبا أو عقيدة، بات غير ممكن، وهذه هي الكارثة وليست الحادثة، ومن هنا يمكن للمرء أن يتفهم لماذا تعود القوميات البغيضة، وتتصاعد بقوة موجات العنصريات والحركات اليمينية المتطرفة، تلك التي دفعت أوروبا أثمانا عالية وغالية لها من دماء أبنائها. تبدو حاجة العالم إلى التعايش الخلاق اليوم، عند نفس المستوى الذي استبق المراحل التاريخية السابقة لانفجار حربين كونيتين في النصف الأول من القرن العشرين.
ومن غير تهوين أو تهويل، نقول إنه لم يعد أمام العالم سوى مسار من اثنين، فإما الوفاق بما يحمل من روافع المودات وجسور المحبات، تلك القادرة على تحمل المشاق معا، واقتسام رغيف الخبز، والعبور فوق الأزمات، مهما كانت صعوبتها.
أما المسار الثاني فهو الفراق، مع ما يحمله من كل نذر السوء، وتوقعات الأسوأ الذي لم يأت بعد، متمثلا في حروب وصراعات، قلاقل واضطرابات، مجاعات وضغائن، وللقارئ أن يتخيل المآلات الناجمة عن مثل هكذا مشهد.
يعني التعايش المزيد من السلام، وتجنب الحروب والخصام، فالطريق إلى السلام لا يستلزم العمل على تجانس المجتمع، لكنه يسمح لنا بالطبع بالعمل معا، فهو يستطيع أن يجمع الكثيرين في السعي وراء بحث مشترك يستفيد منه الجميع. وإزاء هدف مشترك معين، يمكن المساهمة بمقترحات تقنية وخبرات مختلفة والعمل من أجل الخير العام.
إن دعوة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، لعقد هذا المنتدى الإنساني، تفتح الطريق لمسارات تنويرية في طريق الإنسانية، لتبديد ظلام أوقاتنا القلقة والمضطربة.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية