العدد 5148
الجمعة 18 نوفمبر 2022
banner
الأديب الذي تبرأ من العالم
الجمعة 18 نوفمبر 2022

لا أدري ما الذي جعلني أعيد قراءة رواية “المسخ” لفرانز كافكا بعد سنوات طويلة، واستكشاف معانيها والظروف التي ولدت فيها، ودخان المخدر من روعتها المستمدة من موهبته العظيمة، فكافكا هو العلامة الأولى للأعمال الأدبية المهمة التي قدمها سارتر وكيليين وألبير كامو، وكل الكتاب الذين يضعون الرواية والإنسان في وضعية خاصة، وقد نشرت إحدى دور النشر الألمانية مراسلاته العامة قبل سنوات، وظهور رسائل غير منشورة لكافكا حدث مهم، لأننا لا نعرف رغم شهرة الكاتب نواياه الحقيقية في كتاباته، ولا يمكننا أن نفهم أدبه دون فهم حياته، وكافكا يمثل عالما منفردا، ذلك أن عمله الفني وليد وعي حاد لانفصال القيم الموروثة عن الواقع، ولأن الواقع غير منطقي، لكنه مكرس للغزو البشري، لذا فإن أول مرحلة من مراحل الغزو سلبية وهدامة. وينتاب كافكا شعور حاد بالخطيئة، وهذا الشعور متجسد في مذكراته، فهو إذ يطلب من ماكس برود أن يحرق كل أوراقه دون أن يقرأها فإنما يحاول أن يتبرأ من العالم وينفصل عنه كليا. 
إلا أن كافكا كان يفكر في أن يعيش من وراء كتاباته، وقد وضح ذلك في رسالته لناشري مؤلفاته، والأشخاص الذين كتب لهم وهم، ماكس برود، فيليكس ويلتش، اوسكار بوم، اوسكار بولاك، وثلاث فتيات أحبهن حبا غامضا وناشريه. وكان كافكا يبحث عن الجوهري، عن الرئيسي، ما أدى إلى صعوبة فهم رسائله وكتاباته. 
فما هو مصدر كآبة كافكا؟ ومصدر هذه الحاجة الماسة للعزلة ومقدرته على تحملها؟ يعتقد أن المصدر الرئيسي هو الأدب بحد ذاته والمصدر الآخر هو الصراع الذي نتج عن ذلك في نفس كافكا، فهو مفعم بشعور لا مثيل له، شعور بالمسؤولية المطلقة، بالإثم الذي لا ندري ما هو سببه الحقيقي، وهو يريد أن يجعل الأدب معولا يرفع العالم بواسطته.
في بعض الأحيان نشعر أننا بحاجة إلى العودة لقراءة الكلاسيكيات الأدبية العالمية لما فيها من شوق وفضول واكتشاف عنصر جديد في كل لحظة.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية