العدد 5148
الجمعة 18 نوفمبر 2022
banner
أسعار الأسهم
الجمعة 18 نوفمبر 2022

شراء وبيع الأسهم في أسواق المال يعتبر من النشاطات الاستثمارية التي تعود بفوائد مالية على المستثمرين، إضافة إلى آثارها على الحركة التجارية عبر دعم الشركات المدرجة في الأسواق المالية. ولهذه الآثار الإيجابية، ظلت الجهات المختصة تحرص على دعم الاستثمار في الأسهم وتوفير البيئة التشريعية والفنية المناسبة التي تمكنها من النمو في إطار قانوني سليم. مع العلم، أن فلسفة التشريعات المنظمة لأسواق المال تقوم أساسًا على حماية المستثمر وتوفير الضمانات القانونية والفنية لحمايته، خاصة وأن المستثمر يمثل زاد وعصب هذه العملية.
بصفة عامة نقول، إن الأسهم المعروضة في الأسواق هي “بضاعة” بمواصفات خاصة وذات قابلية حساسة إما ارتفاعا أو انخفاضا. ونظرًا لهذه الحساسية، فإن أنظمة الأسواق مبرمجة بطريقة تسمح بزيادة أسعار الأسهم أو انخفاضها ولكن في حدود معينة يجب التقيد والالتزام بها وإلا تدخلت إدارة السوق واتخذت ما تراه مناسبًا من الإجراءات، وربما الأمر بإيقاف التداول للفترة التي تراها مناسبة أو وقف نشاط الشركة. وكل هذه الإجراءات الاحترازية إلزامية وتهدف لحماية المستثمر وضمان عدم فقدانه لأمواله في لحظات، وكذلك لضمان سير العمل في الأسواق وفق وتيرة مقبولة بعيدا من المضاربات والتصرفات غير المقبولة التي تضر بالأسواق والاقتصاد الوطني. 
وهناك مسئولية قانونية ثابتة تقع على كاهل إدارة أسواق المال والهيئات العامة للأسواق، ويجب الالتزام بهذه المسؤولية بصفة مستمرة بحيث تتم مراقبة العمل في الأسواق للدرجة التي توفر البيع والشراء الطبيعي للأسهم وارتفاع وانخفاض أسعارها ولكن فقط وفق معطيات السوق وواقع الحال وليس وفق معطيات ومؤثرات خارجية لا علاقة لها بواقع السوق وحاله وأحواله. ومن هذا نخلص إلى أن أسعار الأسهم يجب أن تكون نابعة من قوة أو ضعف السهم نفسه وليس بعيدًا عنه. ومثلاً إذا حققت الشركة أرباحًا ظاهرة مستمرة فمن الطبيعي أن يرتفع سعر أسهمها والعكس صحيح.
ولتوفير الجو الأمثل لتداول الأسهم في أسواق المال، فهناك متطلبات أساسية يجب مراعاتها والعمل على الالتزام بها. لا نستطيع حصر كل المتطلبات، ولكن من الأمثلة الهامة نشير لضرورة العمل على توفير الشفافية والإفصاح من الجهات المرتبطة بتداول الأسهم وخاصة الشركات المدرجة والتي يقع على عاتقها تقديم المعلومات الكاملة عن الشركة وأوضاعها وكل ما يرتبط بها، وهذا بالطبع يقود لمعرفة حال أسهمها وهل هناك مبرر منطقي لزيادة أو انخفاض أسعارها. 
ولكن، الواقع المعاش يقول إن معظم الشركات لا تقدم المعلومات بصورة سليمة وبمهنية بل نجد هناك نوعًا من الدعايات والإعلانات والتصريحات والمؤتمرات بغرض تجميل وجه الشركة ووضع آخر صيحات المكياج عليه... وكل هذا بهدف رفع الأسهم، وتتم الزيادة ولكنها لم تأت من واقع الحال بل من واقع المكياج الاستعراضي الذي تبدع بعض الشركات في إظهاره مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الأسهم وفجأة وفي سرعة يهوي وينخفض السعر لأنه لم يكن من واقع حال الشركة بل أتى نظير أسباب دعائية وتصريحات مفوهة وخطط دعائية مدروسة بطريقة محكمة لدرجة تبهر العقول وتذهب بالفكر المعقول. والمسئولية المتعلقة بأسعار الأسهم وحماية المستثمر، لا تنحصر فقط في الشركات وكبار التنفيذيين فيها أو الوسطاء، بل تتعداهم إلي إدارة الأسواق وهيئاتها العامة بصفتهم يمثلون دور “المايسترو” في ضبط توليفة حركة التداول ومتى يرتفع الصوت ومتى ينخفض، وكلما كان “المايسترو” متمكنا من موهبته يأتي العمل منسجمًا ومتناغمًا دون نشاز على أي طرف له ضلع في عملية التداول. وإذا أحجمت إدارة الأسواق وهيئاتها عن هذا الدور فإن الفوضى ستعم.   
إن السيطرة الكاملة على ما يجري في الأسواق، في نظري، أمر صعب التحقيق إذا لم نقل مستحيلا. ولكن على الجهات المختصة بذل كل الجهد في مراقبة نشاط الشركات المدرجة ومتابعة دور الوسطاء لتأكيد الممارسة المهنية. كذلك هناك حاجة لمساعدة القطاع المصرفي ليوظف إمكانياته نحو دعم الأسواق والاستثمار فيها وذلك بوضع الضوابط  المنظمة لتمويل شراء الأسهم حتى لا يخرج التمويل عن السيطرة.
اتباع مثل هذه الخطوات، وغيرها، قد يكون محاولة جادة لوضع الأمور “تحت السيطرة” مع ضرورة التنبه والحذر لاستخدام مكابح الوقف السريع كلما ظهر طارئ. ونقول للمستثمرين إن من “حلاوة” هذا النشاط وجود المخاطر المرتبطة بالأسعار وهذه المخاطر بثمنها. ولنعمل جميعا يدا واحدة لحماية المستثمر وفي هذا حماية تامة لأسواق المال.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .