في تقرير “كامكو إنفست” حول أداء أسواق النفط العالمية
استمرار مخاوف الطلب على النفط رغم تخفيف الصين لتدابير “كوفيد 19”
ظلت أسعار النفط تتحرك ضمن نطاق محدود وتم تداولها دون مستوى 100 دولار للبرميل خلال شهر نوفمبر 2022 بعد أن تقلصت الآمال المتعلقة بتحقيق الاقتصاد العالمي لهبوط ضعيف؛ نظراً لإمكانية تراجع الطلب من الصين أكثر مما كان متوقعاً.
من جهة أخرى، جاءت بيانات التضخم في الولايات المتحدة أقل من المتوقع إلى حد ما، ما ساهم في تخفيف مخاوف الركود وأشارت إلى استمرار الطلب على النفط. إلا أن تزايد حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19 في بعض مراكز التصنيع الرئيسة في الصين، والتي أدت إلى مطالبة السلطات المواطنين للعمل من المنزل، قد أدى بدوره إلى التأثير سلباً على تعافي الطلب في البلاد. وجاء ذلك على الرغم من تخفيف الصين لبعض التدابير الصارمة التي طبقتها في وقت سابق لمعالجة أزمة كوفيد 19 وفقاً لسياسة “صفر كوفيد” التي تتبعها. وانعكس الأثر الاقتصادي للتدابير السابقة في تباطؤ نمو إنتاج المصانع في أكتوبر 2022، هذا إلى جانب انخفاض مبيعات التجزئة وتراجع سوق العقارات في الصين.
وكانت هناك بعض العوامل الأخرى التي أثرت على أسعار النفط مؤخراً والتي تضمنت توقع شتاء أكثر دفئاً من المعتاد في أوروبا بالإضافة إلى المحادثات بشأن وضع سقف أسعار للنفط الروسي. من جهة أخرى، أدى ضعف الدولار ونمو إنتاج النفط الصخري الأميركي بوتيرة بطيئة والمحادثات عن إعادة بناء المخزون في الولايات المتحدة إلى دعم أسعار النفط.
وعلى صعيد العرض، صرحت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها الشهري عن إنتاجية الحفر أن إجمالي إنتاج النفط الصخري الأميركي سيرتفع بمقدار 91 ألف برميل يومياً ليصل إلى 9.191 مليون برميل يومياً في ديسمبر 2022، فيما يعد أعلى مستوى إنتاج من النفط الصخري منذ مارس 2020. ويعزى ذلك بصفة رئيسية إلى تزايد إنتاج النفط بمستويات قياسية من حوض بيرميان والذي من المتوقع أن يصل إنتاجه إلى 5.499 مليون برميل يومياً في ديسمبر 2022 على الرغم من الزيادة البطيئة في الإنتاج. وفي أكتوبر 2022، ارتفع إنتاج النفط الصخري إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ مارس 2020 ليصل إلى 9.0 مليون برميل يومياً مقابل 8.9 مليون برميل يومياً في أغسطس 2022.
وفي ذات الوقت، بدأت العقوبات الوشيكة للاتحاد الأوروبي على النفط الروسي تنعكس في هيئة إعادة هيكلة تدفقات النفط الروسي. وتستحوذ آسيا الآن على كميات قياسية من واردات النفط الروسي. وكشفت بيانات صادرة عن وكالة بلومبرج أن ثلثي النفط المحمل على الناقلات في الموانئ الروسية يتجه الآن إلى آسيا مقارنة بخمسي الكمية المشحونة خلال الأسبوع الذي سبق بدء الصراع بين روسيا وأوكرانيا. إلا ان وكالة الطاقة الدولية تتوقع انخفاض إنتاج روسيا من النفط إلى أقل من 10.0 مليون برميل يومياً في ظل تراجع الصادرات إلى عملائها الرئيسيين، مثل الهند والصين وتركيا، مؤخراً مع إمكانية عدم زيادة الواردات بوتيرة أعلى.
وعلى صعيد الطلب على النفط، خفضت الأوبك، في تقريرها الشهري الأخير، توقعاتها لنمو الطلب على النفط بمقدار 0.1 مليون برميل يومياً للعام 2022 ليصل إلى 2.55 مليون برميل يومياً، مستشهدة بالتحديات الاقتصادية في الدول الأوربية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال الربع الرابع من العام 2022 وسط تفاقم حالة عدم اليقين ومواصلة الصين فرض القيود. كما تم خفض توقعات نمو الطلب العام المقبل بمقدار 0.1 مليون برميل يومياً إلى 2.24 مليون برميل يومياً. وبلغ إنتاج الأوبك 29.49 مليون برميل يومياً في أكتوبر 2022 وفقاً لمصادر الأوبك الثانوية، مسجلاً بذلك تراجعاً حاداً بمقدار 210 مليون برميل يومياً نتيجة لخفض الإنتاج من قبل كلا من السعودية وأنجولا.
الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط
تحركت أسعار النفط ضمن نطاق محدود تراوح ما بين 90 و100 دولار للبرميل منذ سبتمبر 2022، ما يعكس بصفة رئيسة تشدد أوضاع الأسواق، وهو الأمر الذي قابله تباطؤ وتيرة الطلب على خلفية رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، هذا إلى جانب القيود المفروضة في الصين لاحتواء تفشي فيروس كوفيد 19. ونتج عن خطوة تخفيف بعض القيود التي اتخذتها الصين الأسبوع الماضي تأثيراً ضئيلاً على الأسعار، حيث رسمت البيانات الاقتصادية لشهر أكتوبر 2022 صورة قاتمة للنمو الاقتصادي. كما أدى تزايد حالات الإصابة في التأثير سلباً على توقعات الانتعاش الاقتصادي التي أصبحت غير مؤكدة.
من جهة أخرى، حذرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري من انخفاض مخزونات النفط في الدول المتقدمة إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ العام 2004 لتصل إلى أقل من 4 مليار برميل للمرة الأولى منذ 18 عاماً. وقد أدى ذلك بصفة رئيسية إلى سحب الولايات المتحدة ودول أخرى نحو 177 مليون برميل من الاحتياطيات الاستراتيجية هذا العام. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تساهم العقوبات الوشيكة على روسيا في وضع المزيد من الضغوط على توازن النفط العالمي، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
وكشفت أحدث البيانات الخاصة بعدد منصات الحفر الصادرة عن شركة بيكر هيوز عن زيادتها بمقدار 9 منصات ليصل الإجمالي إلى 622 منصة خلال الأسبوع الماضي، فيما يعد أعلى المستويات المسجلة منذ مارس 2020. وتعتبر هذه الزيادة أكبر قفزة أسبوعية لمنصات الحفر منذ الأسبوع المنتهي في 24 يونيو 2022. في ذات الوقت، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية تراجع كميات إنتاج آبار النفط الجديدة لكل منصة حفر إلى 1,049 برميل يومياً في حوض بيرميان، والذي يعد أدنى مستوى منذ يوليو 2020 في إشارة إلى ضعف إنتاجية الآبار المتوجودة في مناطق النفط الصخري المعمرة. وأظهر تقرير صادر عن وكالة رويترز تراجع الإنتاجية في أكبر أحواض النفط والغاز على أساس شهري منذ أن سجلت أرقاماً قياسية في إنتاج آبار النفط الجديدة لكل منصة حفر في حوض بيرميان في ديسمبر 2020.
وظل متوسط تغير أسعار النفط متفاوتاً في أكتوبر 2022. وبلغ متوسط سعر سلة نفط الأوبك 93.6 دولار أميركي للبرميل خلال الشهر مقابل 95.3 دولار أميركي للبرميل في سبتمبر 2022، أي بتراجع بلغت نسبته 1.8 %. كما انخفض سعر خام التصدير الكويتي بنسبة 4 % إلى 94.7 دولار أميركي للبرميل، بينما ارتفع متوسط سعر مزيج خام برنت بنسبة 3.7 % ليصل إلى 93.1 دولار أميركي للبرميل.
الطلب على النفط
وفقاً لأحدث تقرير شهري صادر عن منظمة الأوبك، فقد خفضت توقعاتها لنمو الطلب على النفط للعام 2022 بمقدار 0.1 مليون برميل يومياً ليصل معدل النمو إلى 2.55 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع الآن أن يصل الطلب على النفط إلى 99.6 مليون برميل يومياً في العام 2022 بعد تعديل الطلب للربع الثاني من العام 2022 ورفعه قليلاً نظراً لتحسن الطلب بوتيرة أفضل من المتوقع في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بينما تم خفض توقعات الطلب في الربعين الثالث والرابع من العام 2022 على خلفية تمديد الصين لسياسات “صفر كوفيد” واستمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسي وضعف النشاط الاقتصادي للدول الأوربية الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبالنسبة للولايات المتحدة، من المتوقع أن يؤدي ارتفاع معدلات التضخم وسياسات رفع أسعار الفائدة التي شهدناها مؤخراً إلى التأثير على الطلب على النفط خلال الربع الرابع من العام 2022، وذلك على الرغم من أنه من المتوقع أن يشهد الطلب على البنزين انتعاشاً طفيفاً في ظل توقع انخفاض أسعار التجزئة. ومن المتوقع أيضاً أن يرتفع الطلب على وقود التدفئة نتيجة لفصل الشتاء بينما سيؤدي استمرار تحسن أوضاع السفر الجوي إلى تعزيز الطلب على وقود الطائرات/ الكيروسين. وبالنسبة للدول الأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فمن المتوقع أن يظل الطلب ضعيفاً خلال الربع الرابع من العام 2022 والربع الأول من العام 2023 على خلفية عدد من العوامل التي تشمل الانخفاض الموسمي لحركة التنقل واستمرار التوترات الجيوسياسية، على الرغم من أن التحول من الغاز إلى النفط لتوليد الكهرباء والنمو المستدام في السفر الجوي لوجهات دولية وإقليمية سيساهم في دعم الطلب. وظل الطلب على النفط في الهند قوياً خلال شهر أكتوبر 2022، إذ وصل معدل الاستهلاك الشهري إلى أعلى مستوياته المسجلة في أربعة أشهر خلال الشهر مدفوعاً بارتفاع الطلب خلال موسم الأعياد. وبلغت نسبة النمو 6.7 % على أساس شهري ليصل إلى 18.37 مليون طن، وفقا للبيانات الصادرة عن وزارة النفط الهندية. إضافة إلى ذلك، كانت إيران وروسيا من أبرز بائعي النفط الرئيسيين إلى الهند بعد أن قامتا بعرض أسعار أفضل وشروط تصدير مواتية.
أما بالنسبة للعام 2023، تراجع نمو الطلب العالمي على النفط أيضاً بمقدار 0.1 مليون برميل يومياً إلى 2.2 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع الآن أن يصل إجمالي الطلب إلى 101.8 مليون برميل يومياً على خلفية التحسن المتوقع في المناخ الجيوسياسي واحتواء الصين لتفشي فيروس كوفيد 19. وفيما يتعلق بفئات المنتجات، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يشهد الطلب على الديزل انخفاضاً شديداً العام المقبل نتيجة لارتفاع الأسعار مما سيؤثر سلباً على الطلب. وتتوقع الوكالة أن يرتفع الطلب في العام 2022 على الديزل وزيت الغاز بمقدار 0.4 مليون برميل يومياً، يليه انخفاض هامشي العام المقبل نتيجة لارتفاع الأسعار وتباطؤ الاقتصاد.
عرض النفط
سجل الإنتاج العالمي للسوائل النفطية مرة أخرى نمواً شهرياً في أكتوبر 2022 في ظل صدور بيانات أولية تشير إلى ارتفاع شهري قدره 0.7 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 101.5 مليون برميل يومياً. وكانت الزيادة خلال الشهر بدعم من تزايد إنتاج الدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك بزيادة قدرها 0.9 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 72.0 مليون برميل يومياً. وقابل هذه الزيادة تراجع إنتاج الدول الأعضاء بمنظمة الأوبك.
إنتاج الأوبك
ارتفع إنتاج الأوبك من النفط في أكتوبر 2022 للشهر الثامن عشر على التوالي، وإن كان بصورة هامشية، ليصل إلى 30 مليون برميل يومياً، وفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج. وتعزى هذه الزيادة بصفة رئيسية إلى ارتفاع الإنتاج في الإمارات والعراق ونيجيريا والذي قابله جزئياً انخفاض الإنتاج بشكل رئيس في أنجولا والكونغو. في المقابل، أظهرت البيانات من مصادر الأوبك الثانوية تراجع الإنتاج بمقدار 210 ألف برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 29.5 مليون برميل يومياً، والذي يعزى بصفة رئيسة إلى انخفاض إنتاج السعودية وأنجولا والذي قابله جزئياً ارتفاع إنتاج نيجيريا والعراق. حيث بلغ معدل إنتاج السعودية 11.0 مليون برميل يومياً في أكتوبر 2022، مسجلاً انخفاضا بمقدار 10 آلاف برميل يومياً (10.8 مليون برميل يومياً من الإنتاج وتراجع بمقدار 149 ألف برميل يومياً وفقًا لمصادر الأوبك الثانوية). وبعد الضغوط الدولية التي شهدناها مؤخراً لخفض الإنتاج، صرح وزير النفط السعودي أن مجموعة الأوبك وحلفائها ستظل حذرة بشأن إنتاج النفط وأنه ما يزال هناك الكثير من الشكوك حول الاقتصاد العالمي.