العدد 5151
الإثنين 21 نوفمبر 2022
banner
ريادة الأعمال وبناء حضارة المستقبل: البحث والتطوير(4)
الإثنين 21 نوفمبر 2022

 يبرز البحث والتطوير في عدد من المجالات الاقتصادية في سنغافورة، مثل الرقمنة والرعاية الصحية والتكنولوجيا والصناعة والتقنيات الخضراء وغيرها العديد من المجالات الأخرى. فلعنصر البحث والتطوير، كما ذكرنا آنفًا، الفضل في دفع عمليات التنمية في القطاعات الاقتصادية المختلفة حتى أصبحت تكاد تفوق التقنيات التي تستخدم في العديد من الدول المتقدمة. ومن هنا، سوف نقوم بشرح أهم القطاعات الاقتصادية التي استفادت من دعم البحث والتطوير لها في سنغافورة:
أولًا، قطاع الزراعة: ساعد البحث والتطوير على الاستفادة من القطاع الزراعي لجعل سنغافورة مدينة خضراء. فركزت بذلك على التخطيط العمراني والأمن الغذائي بشكل خاص. تعد سنغافورة واحدة من أفضل المدن في مؤشر المدينة الخضراء، حيث تعطي الأولوية للاستدامة في التخطيط المتكامل والتنمية عالية الكثافة والحفاظ على المناطق الخضراء في المناطق العمرانية. فيستخدم المطورون تكنولوجية الزراعة المستدامة والتصميم المدني وزراعة المحاصيل، والتي هي ظاهرة في أغلب مدن سنغافورة. غالبًا ما يطلق على سنغافورة اسم “مدينة الحدائق” أو “المدينة الخضراء” نظرًا لوجود عدد هائل من الحدائق والمساحات الخضراء فيها. أيضًا، تستوحي سنغافورة من الرؤية المتمثلة في “2030 في 30” المتعلقة بزراعة الأغذية والأمن الغذائي في سنغافورة وإنتاج ما يصل إلى 30 % من احتياجاتها الغذائية المحلية وبشكل مستدام بحلول عام 2030. وذلك، لأن سنغافورة تستورد ما تصل نسبته 90 % من المواد الغذائية من الخارج.
ثانيًا، قطاع الصناعة: يعتبر القطاع الصناعي من أكبر القطاعات الاقتصادية في سنغافورة والذي يساهم بنسبة 20 % - 25 % من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد. تشمل المجموعات الصناعية الرئيسية في التصنيع في سنغافورة الإلكترونيات والكيماويات والعلوم الطبية الحيوية واللوجستيات وهندسة النقل. أدركت سنغافورة على المستوى المحلي أن استثمارات البحث والتطوير يمكن أن تحفز الابتكارات في عروض المنتجات وعمليات الإنتاج. وتقوم الحكومة السنغافورية بمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة في تعزيز البحث والتطوير لديهم لصنع أفضل السلع التي يمكن الاستفادة منها محليًّا وتصدريها إلى الخارج. 
ثالثًا، قطاع التكنولوجيا: بفضل سنوات من الخبرة والبحث والتطوير، قامت سنغافورة ببناء صناعة تقنية عالمية المستوى وتنافسية عالميًّا وتواصل استكشاف آفاق جديدة في الابتكار مثل الرقمنة والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليلات البيانات وغيرها من التقنيات تساعد في العديد من القطاعات المحلية كالرعاية الصحية والأمن والتكنولوجيا المالية والطاقة والدفاع وغيرها من المجالات الحيوية.
رابعًا، القطاع العسكري: مختبرات DSO الوطنية (DSO) هي أكبر مؤسسة للبحث والتطوير في مجال الدفاع في سنغافورة، وتتمثل مهمتها الحاسمة في تطوير الحلول التكنولوجية للوصول إلى أحدث ما يمكن التوصل إليه لتعزيز الأمن القومي السنغافوري. وتمتلك سنغافورة كذلك شركات خاصة لتصنيع الأسلحة والمشاة والدبابات والدرونز وغيرها العديد من المعدات في أنظمة الدفاع الجوي  والاتصالات وأجهزة الاستشعار البحرية وحماية البنية التحتية. اليوم، تواصل الشركات الخاصة العمل عن كثب مع حكومة سنغافورة، حيث تقدم خبرتها لتطوير تقنيات دفاعية متطورة والتكنولوجيا المستقبلية لحماية الأمن القومي وتصدير هذه التقنيات للخارج.
خامسًا، قطاع التعليم: يعد نظام المدارس في سنغافورة من بين الأفضل في العالم - حيث يسجل طلابها باستمرار أعلى تصنيفات التعليم في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). بفضل البحث والتطوير، تواصل سنغافورة تنفيذ أفضل السياسات التي من شأنها تعزيز قدرات نظامها التعليمي.
سادسًا، دعم القطاع الخاص، لم تقدم سنغافورة أفضل بيئة عمل لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة فقط، بل وفي مبادرة جديدة، هدفت سنغافورة إلى دمج المزيد من التكنولوجيا لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs) من أي اضطرابات مستقبلية في سلاسل التوريد. وهذا يعني تطوير حلول رقمية وآلية مثل الذكاء الاصطناعي (AI) التي يمكن أن تلبي متطلبات الأعمال في مختلف القطاعات. وتقوم سنغافورة بالتعاون مع مراكز البحث والتطوير التكنولوجي لإيجاد مثل هذه الحلول وتقديمها للشركات الصغيرة والمتوسطة لمساعدتها على النمو على المستويين المحلي والدولي. 
سابعًا، قطاع الصحة، تضع سنغافورة برنامجًا تنمويًّا كل خمس سنوات لتحديد الأولويات وتخصص أموالًا كبيرة (حاليًّا 25 مليار دولار سنغافوري) لتمويل مختلف مساعي البحث والابتكار. إحدى الخطط الحالية هي صحة الإنسان، بما في ذلك الصحة والعلوم الطبية الحيوية أوBiomedical sciences. يهدف هذا التمويل إلى تعزيز النمو الاقتصادي بعد جائحة كورونا ومعالجة مشاكل شيخوخة وانخفاض معدلات المواليد وصناعة الأدوية ومواجهة الجائحات والفايروسات وغيرها العديد من المجالات الصحية الأخرى والتي تعتمد اعتمادًا كليًّا على عناصر البحث والتطوير للارتقاء بها. كما يوجد هنالك أكثر من 15 مؤسسات بحث وتطوير تختص بالعلوم الصحية التي تختص بدراسات العيون، والسرطان، والجينات، والمعالجة الحيوية، والهندسة الحيوية، والبيولوجيا الجزئية، كما أنّ لها ارتباطًا بالمؤسسات التعليمية والحكومية والمستشفيات والشركات وغيرها.
ثامنًا، صنع القرار السياسي والاقتصادي، تقوم حكومة سنغافورة بالتعاون مع المراكز الفكرية لإنتاج أفضل الدراسات والبحوث المتخصصة في الجانب السياسي والاقتصادي والاستراتيجي والبيئي وتطبيقها محليًّا، ولهذا تتمتع سنغافورة بوجود كم هائل من الباحثين الذين يزودون المسؤولين الحكوميين في القطاع المدني والعسكري والاقتصادي بأفضل الدراسات التي يمكن من شأنها تعزيز شأن دولة سنغافورة وسياساتها على الصعيد المحلي والدولي. 
لعلّ من أهم التحديات التي تواجه دول الخليج العربي هو إنشاء صناديق أو مجلس خاص لدعم البحث والتطوير يضم النخبة من الباحثين المتخصصين لتنمية الاقتصادات المحلية. ففي الإمارات العربية المتحدة، تم مؤخرًا إنشاء برنامج دبي للبحث والتطوير لخلق فرص اقتصادية جديدة ودعم القطاعات الاستراتيجية في الإمارة، وكان هدف هذا البرنامج هو دفع دبي لجعل اقتصادها قويًّا قائمًا على المعرفة. كما يسعى البرنامج إلى إنشاء خبراء محليين ودوليين من القطاع الحكومي والخاص والأكاديميين للإشراف على مشاريع البحث والتطوير والمبادرات والتشريعات وتعزيز مشاركة القطاع الخاص؛ لزيادة إنتاجية قطاعات الدولة ودفع عجلة النمو الاقتصادي من خلالها. حيث يعتمد البرنامج على أربع ركائز وهي توفير خارطة طريق ونموذج لأفضل الممارسات والحوكمة، وتحديد الأولويات وخيارات التمويل والاستثمار، وبناء المواهب الشابة على المستوى المحلي والعالمي للمساهمة في جهود البحث والتطوير.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية