+A
A-

التثقيف الإنساني والانحدار.. بين حزام بن راشد وجعفر سلمان

بات التثقيف الإنساني مصطلحًا لا يُسمع كثيرًا في الآونة الأخيرة، وكأن الرياح قد أبادته من جذوره، تشبيه يربط البعد الذي يقتضي به حال هذا الجيل والمؤكد الجيل المستقبلي عما يسمى بالثقافة المقرونة بالأهمية والتأثير. 

من المؤسف رؤية انحدار هذا المجال تدريجيًا أمام أعيننا دون حراك، في حين لم يتلق العقل البنية الأساسية منذ البداية إذ لا فائدة بعدها من عمق الكلام، ولكن هذا لا يفني أهمية تناول القضية داخل المجتمعات العربية.. يا ترى ماذا يقول الكاتب السعودي حزام بن راشد و الأديب البحريني جعفر سلمان عن ذلك؟


انحدار التثقيف الإنساني للجيل الحاضر

صرّح الكاتب السعودي حزام بن راشد عن السبب الرئيسي العاتق على هذا الانحدار في اختلاف قيمة المحتوى، موضحًا أن في السابق كان صانع المحتوى يبحث عن إضافة للمتلقي ترفع من قيمته الإنسانية والثقافية ولا يبحث عن لفت الأنظار والتكسب المادي، اليوم المعتدلة اختلفت وانعكست لدى البعض، حيث الأغلبية أصبح يبحث عما يجذب ميول المتلقي حتى يجد القبول عنده، وبالتالي يحقق الانتشار والمال بغض النظر عن قيمة المحتوى من عدمه.

بينما علّق الأديب جعفر سلمان بأن في الواقع نستطيع الحديث عن نقص قراءة أو نقص مطالعة عند الجيل الحالي، لكننا لا نستطيع تأكيد نقص في عملية التثقيف، والسبب في اعتقاده هو لجوء هذا الجيل لوسائل تثقيفية أخرى على حساب الوسائل المعتادة من كتب وغيرها من الوسائل المقروءة، فاليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي أخذت حيزًا كبيرًا مما كان يملأه الكتاب، ولكن وللإنصاف علينا عدم ربط نقص القراءة بنقص الثقافة، فوسائل التثقيف في النهاية ليست محصورة في القراءة.


جيل بلا مسؤولية كاره للكتب والمعرفة العامة

رفض بن راشد إلقاء اللوم على تربية الآباء فقط، مؤكدًا بأن دورهم مهم جدًا، ولكنه ليس الوحيد، أي هناك أيضًا دور الدولة التي يمكنها خلق بيئة جاذبة للقراءة والعلم بشكل مباشر وغير مباشر وذلك من خلال المدارس والتجمعات والمهرجانات وحتى المرافق العامة وغيرها من الطرق. بما معناه المسؤولية عاتقة على الجميع.

ويتفق الكاتب جعفر سلمان بأن للآباء دور في تحبيب الأبناء للمعرفة، ودور في جعل القراءة أحد مكونات الحياة بالنسبة لأبنائهم، ولعل أحد أكبر تلك المسؤوليات، هي مسؤولية إيجاد المكتبة المنزلية، والتي بحسب وجهة نظره يجب أن تكون من ضروريات كل بيت، فعلى الآباء مسؤولية، والتخلي عنها يساهم في ضعف عملية تثقيف الجيل الجديد.


التكنلوجيا سياسة ابتكرتها الغرب

لا يميل الكاتب حزام إلى إلقاء التهم وتكريس فكرة المؤامرات اتجاه أي فشل نعيشه. يجب الاعتراف بالواقع وبعدها يسهل العلاج. وإن كنت تصدق هذه المخططات عليك سد ثغراتها بأمور أفضل وأكثر جذبًا لأطفالك بدلًا من الحديث الفارغ. 

فيما يؤكد بن سلمان الفكرة ذاتها بقوله أنه لا يؤمن بوجود حرب عقول وحرب ثقافية يشنها الغرب على العرب، سواء من خلال الألعاب الإلكترونية، أو حتى الأفلام والبرامج، فالغرب متطور ثقافيًا وتكنولوجيًا، وهو ينتج ألعاب بدافع ربحي وقد يكون لها دافع ثقافي أيضًا، وهنا لا يُلام القوي بسبب (لماذا أنت قوي) بل يُلام الضعيف بسبب (لماذا أنت ضعيف)، فمن حق الغرب نشر الثقافة التي يرى أنها الحق والصواب، كما من حقنا نشر ثقافتنا، لذلك فالمشكلة تكمن في عدم قدرتنا على مجاراة الغرب من جهة، وفي تركنا الجيل الجديد يعاني من خواء ثقافي يستطيع الغرب ملأه بسهولة من جهة أخرى. هذا لا يعني أن ما يبثه الغرب صالح لنا ولمجتمعنا، بل أنه وفي كثير من الأحيان على العكس من ذلك، ولكن هذا يعني أن التقصير والقصور ناتج من عندنا، وأن المشكلة تكمن لدينا لا عند الغرب، ولو بدأنا بعملية إثراء ثقافي اليوم، فسيختفي تأثير الغرب غدًا، أو على الأقل سينحصر لحدوده الدُنيا. 


علاج فراغ العقل

بيّن الأستاذ حزام أن ‏الانشغال بكل ما يجلب لك المتعة من دون ضرر هو الحل الرئيسي، والقراءة برأيه من أجملها، بشرط أن تختار أنت ما يناسبك من مواضيع شيقة.

في حين يعتقد الأستاذ جعفر بأن الخطوة الأولى في العلاج يجب أن تبدأ بتحديد المشكلة، والمشكلة هنا تنحصر في كيفية تثقيف الجيل القادم، وبحسب رأيه، يجب أولًا تحديد متطلبات الثقافة للجيل الجديد، بمعنى آخر، ما الذي يجذبه وما الذي يمكن أن يفيده، وبعد ذلك يتم تحديد الطريقة المُثلى لنشر هذه الثقافة، سواء كانت كتب أو أفلام قصيرة أو ألعاب، فالخطأ هو أن نحاول حل مشكلة قائمة اليوم باستعمال أدوات كانت صالحة لنفس المشكلة قبل ثلاثين أو أربعين سنة.


طباعة 

هناك تساؤل يشمل احتمالية انعدام طباعة الورق في المستقبل نتيجة تراجع مبيعات الكتب والصحف والمجلات، وبجانب ذلك هل سيستمر شغف الكتّاب والصحفيين بالرغم من استمرار صعوبة التحديات؟

يجيب حزام بن راشد بأن ‏في هذا العالم المتقلب كل شيء من الممكن حدوثه، ولكن لن يتم الاستغناء عن الورق على المدى القريب، فلا يزال الورق هو الأفضل لدى القارئ في قراءة الكتب على الرغم من التطور الملحوظ في مجال الكتب الإلكترونية والصوتية، وهذا ليس حديثه الشخصي وإنما أحاديث المنتمين إلى مجال النشر والتوزيع.

ويتفق جعفر سلمان في أن مصير الورق شارف على الانتهاء فعلًا، وأن الكتاب الورقي سينتهي في المستقبل، لكنه لا يعتقد بأن هذا المستقبل قريب، فالكتاب الورقي لا يزال صامد وبقوة رغم وجود الخيارات الأخرى، وبالنسبة للكُتّاب، فإنهم الأقل تأثرًا بغض النظر عن طريقة النشر، فسواء كان النشر إلكتروني أو ورقي أو بأي طريقة كانت، فإن الكاتب هو العنصر المشترك في كل ذلك، وهو الذي بدونه يختفي كل شيء في مجال النشر، في النهاية هو المؤلف للمحتوى، بغض النظر عن طريقة نشر المحتوى.