العدد 5164
الأحد 04 ديسمبر 2022
banner
التلاعب بالألفاظ.. الغاية لا تُبرر الوسيلة
الأحد 04 ديسمبر 2022

ما رأيتُ جُرماً أشنع ولا أقبح من النفاق وأهله، فقد توّعدهم المولى جلّ في عُلاه بأشد العقاب، فهم في الدَرك الأسفل من النار كما جاء في القرآن الكريم، ليس هذا في نطاق العبادة فحسب، بل إن إظهار الإنسان خلاف ما يُبطن مع أبناء جنسه في مجالات التعامل، يندرج في نفس السياق – إن جاز لنا ذلك - من حيث البشاعة والخِسة، ناهيك عن الآثار الوخيمة لهذه الصفة الذميمة في تلويث الأجواء بين أبناء المجتمع الواحد.
ليس حديثنا هنا لإثبات وجود هذه الثُلة من الناس في وقتنا الحاضر من عدمها! فالنفاق موجود منذ القدم ولا يخلو زمان من هذه الفئة المنحطة أخلاقياً، لكن ما يدعو للاستهجان هو أن النفاق أصبح يتشكل بصور مختلفة ويخرج للعلن بمسميات متنوعة، وبكل أسف هناك من يُبرر هذه الممارسات بحجج واهية، فقد تجد أحدهم كثير الانتقاد عندما يتصدر بعض المجاميع في غياب أهلها، لكنه أول المادحين وعلى رأس المهنئين إذا التقى بهم على انفراد، وحجته في ذلك أنها “مجاملة”، وقد يتزلف الموظف أمام المدير بشتى الطرق وقد يكون المدير نفسه متزلفا إلى رئيسه ويتودد إليه بكل الوسائل بغية الحصول على مبتغاه، وكل منهم يُظهر للآخر خلاف ما يُبطن له من سخط ونفور، وهذا هو “النفاق” بعينه، ولكنهم يبررون ذلك “بالمحاباة والمسايرة”، وقد تأتيك المنح والمكارم من الأعيان بدعوى “الهدية”، طالما أن “بختك” في المجتمع طالع وأن نجمك في العلو ساطع، وما إن يسقط عنك الرداء ويكتنف حالك البلاء، حتى ينفض عنك السفهاء، فإن لم يكن كل ذلك من علامات النفاق والتلاعب بالألفاظ! فماذا يكون؟
ما يدعو للعجب، هو أن بعض المؤسسات التعليمية والدوائر الحكومية، عندما تكون على موعد مع زيارة تفقدية من لجان التقييم والجودة، تجدهم يتفننون في إخفاء الحقائق والوقائع، بل ويعملون على قدم وساق لإظهار خلاف واقعهم المرير، وكأني بهم يضحكون على أنفسهم، فلو أنهم تركوا الأمر على ما هو عليه، لكان أسلم لهم من الوقوع في شبهات التمويه، ولربما انصلح الحال على أقل تقدير، عندما يتبين للمعنيين مواقع التقصير.
إن إخفاء الحقائق والتغطية والتعتيم وغيرها من وسائل “الطبطبة”، لا تخدم أحدا ولا تصب في الصالح العام، فالغاية هنا لا تُبرر الوسيلة، فليس أفضل من الصدق والمكاشفة وسيلة لتدارك الدمار وتصحيح المسار.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .