العدد 5165
الإثنين 05 ديسمبر 2022
banner
واقعة “هروب الأغنام”
الإثنين 05 ديسمبر 2022

يُحكى أنّ الراعي ساق أغنامه إلى حظيرتها، وأغلق الأبواب كلها، فلما جاءت الذئاب الجائعة يئست من الوصول إليها بعدما وجدت الأبواب مغلقة. فدّبرت خطة لتحرير الأغنام من الحظيرة! في تلك الخطة توصلّت الذئاب إلى أنّ الطريق هي إقامة "مظاهرة" أمام بيت الراعي تهتف فيها بالحرية للأغنام! بالفعل طافت الذئاب في مظاهرة طويلة حول الحظيرة، فلما سمعت الأغنام أنّ الذئاب أقامت مظاهرة تُدافع فيها عن حريتها وحقوقها؛ تأثرت بها وانضمت إليها حتى بدأت تنطح جدران الحظيرة والأبواب بقرونها إلى أنْ انكسرّت وفُتِحَت الأبواب وتحرّرت، حتى هربت إلى الصحاري والذئاب تُهرول وراءها، والراعي يصرخ مرة، ويُلقي عصاه مرة أخرى ليصرفها إلا أنّه لم يجد فائدة من الصُراخ والعصا! إلى أنْ وجدت الذئاب الأغنام في بادية مكشوفة بلا راع ولا حارس، فباتت ليلة سوداء على الأغنام المحرّرة وليلة شهية للذئاب المتربصّة! وفي اليوم التالي وجد الراعي أشلاء ممزقة وعظاما مكسرة ودماء مُلطخة!
تكاد تكون هذه القصة الخيالية، واقعا حقيقيا لفلذات الأكباد في وقتنا الحاضر، حيث لم تكن يوماً مهمة تربيتهم ورعايتهم واحتوائهم أمراً سهلاً على الآباء والأمهات، لاسيّما في المجتمعات العربية التي يسعى فيها الوالدين لتقديم الأفضل لأبنائهم؛ ما يُشكّل عبئاً كبيراً ثقيلاً على آبائهم من ناحية، فيما تُسلب إرادة الأبناء من اتخاذ القرارات من ناحية أخرى في ظل ما تزخر به مراحل النمو الإنساني من تطورات عاطفية متوازنة تتناسب مع المراحل العمرية التي تستوجب من الآباء تقديم الرعاية المستحقة دون زيادة ولا نقصان من أجل أجيال قادرة على حمل لواء المسؤولية واتخاذ القرارات وتأمين الخيارات. 
تبقى العلاقة بين الآباء والأبناء واحدة من أهم العلاقات البشريّة، بل وأكثرها تأثيراً على بناء الشخصيّة، خصوصاً في مرحلة الطفولة التي تتغيّر فيها هذه العلاقة في مرحلة المراهقة بعد محاولات الاستقلال الذاتي واتخاذ القرارات الخاصّة ومواجهة التّحديات المستقبلية وتأثير الاختيارات المتاحة وتقليل السلوكيّات الخاطئة، بعيداً عن مصادرة الآراء ومعادلات التسلط التي غالباً ما تُحوّل البيوت إلى ثكنة عسكرية تخضع للقوانين الصارمة التي يصعب اختراقها، وكأن الأبناء "أحجار شطرنج" يُحركها الآباء وقتما يشاؤون.. وهم مُكبّلون بالقيود التي يستحيل كسرها بعد أن يكونوا مُطالبين فقط بتنفيذ الأوامر التي يتلقونها دون اعتراض، مُستسلمين لأحكام جبرية تُفرض عليهم بدعاوى الحرص الزائد! وفي النظير لا يُستوجب فتح الأبواب على مصراعيها للأبناء بدواعي الحريات المُغررة التي تُغلّف بعناوين الاحتياجات المُلحة والرغبات المُحقّة والحقوق المُزيفة التي غالباً ما تنتهي بالتمرّد المُدمر للكيان الأسري الهشّ. "المقال كاملا في الموقع الإلكتروني".

نافلة: 
يمضي الأبناء الساعات الطّوال على مواقع التواصل الاجتماعي مع أشخاصٍ لم يمضِ على معرفتهم بهم إلا فترةً قليلةً، فيما ينحسر لديهم الاستعداد إلى الجلوس مع والديهم: إمّا يملّوا سريعاً أو يجلسوا صامتين منشغلين بهواتفهم! لذلك تعدّ التربية ذات المقاس الواحد المُتناسب للجميع عبر جلسات البيت الجماعية الموجِّه الأول والمؤثّر الرّئيس بما تحظى به من أهمية مُتعاظمة وسط أجواء العلاقات الآمنة التي تلعب أدواراً مؤثرة في تطوّير العلاقات الصحيّة بينهم وتُوفر لهم الطمأنينة والأمان، وتُشعرهم بالدفء والحنان، وتُحقّق أحلامهم وطموحاتهم، وتؤسّس للاستقلالية والاعتمادية عوضاً عن إضاعة الأحلام وإهدار الطموحات، ما يُمنح لمساحة التعبير الحُرّة وفق الآراء المُتشاركة التي أساسها التعقل والتعاون والاحترام المتبادل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية