العدد 5169
الجمعة 09 ديسمبر 2022
banner
يوميات مواطن دايخ (طبيلة)
الجمعة 09 ديسمبر 2022

(لازم أتغيّر وأغيّر حالي وحال أسرتي.. إلى متى سأظل أعيش على راتب لا يغني ولا يسمن من جوع؟ لابد أن أدخل عالم المال والأعمال فأنا – ما شاء الله علي – ذكي.. بصحة وعافية ولله الحمد.. شاغول.. لا أكلّ ولا أملّ من العمل.. وفوق هذا وذاك، أنا أتمتّع بأفكار عظيمة، فقط، وفقط، ينقصني رأس المال.. إذن، آن الأوان).
اشتعلت تلك الفكرة في رأس المواطن الطموح بعد أن قضى أكثر من 30 عامًا في الخدمة.. وحانت لحظة التقاعد ما دام في قوته وصحته وقبل أن يداهمه الزهايمر أو تقعده – لا قدر الله – جلطة تبدّد أحلامه.. إنه “التقاعد الاختياري.. إنه الخيار الأروع بين يديه ولابد من اقتناصه”، خصوصًا وأن هذه الفكرة المبدعة تهدف أيضًا لفتح المجال أمام المتقاعد لبدء مشروعه الخاص فيمزج خبرته بما في يديه من دنانير حلوة سيجنيها من مكافأة التقاعد، وينطلق.. قال في نفسه :”إييييييييه يا بوفلان.. آن الأوان.. ها هي الدنيا ولله الحمد ستضحك لك قريبًا”.
لكن تعالوا إلى مرتكز الفكرة وأساسها وعمودها في رأس ذلك المواطن.. إن كراج منزله “الطبيلة” هو الخيار الأفضل له.. سيحوله إلى مكتب مؤسسة صغيرة ويبدأ العمل.. صدره والسيف.. باب “لطبيلة” وباب البيت طبق لصق! مرّت الأيام.. بكى بعض الشيء وهو يودّع إخوته وأخواته في العمل ممن عاشرهم طوال تلك السنين في آخر يوم عمل له.. سيرتاح بضعة أيام ثم يبدأ مشروعه... لطبيلة ما غيرها.
بعد أيام، تجوّل من هذه الجهة إلى تلك بغية الحصول على رقم عنوان لكراجه حتى يعمل بشكل قانوني.. توجّه إلى البلدية بادئ الأمر بالطبع فكل خطواته أرادها “قانونية” فهو مواطن شريف ملتزم بالقوانين: “ما يصير حجي.. طبيلتك ليست على شارع تجاري.. ما نقدر نعطيك رقم.. ممنوع”، سأل :”ما الحل؟”، والجواب :”ليس أمامك حل سوى أن تستأجر موقعًا آخر وتبدأ عملك”.. لم ييأس، كتب الرسائل هنا وهناك فهو يستحق الدعم لأنه متقاعد وسيبدأ مشروعه الخاص.. لا والله يا الحجي.. ممنوع.. قال وأعاد وكرر الكلام المعسول وكأنه يلقي قصيدة عصماء: “هل هذا صعب؟ ألا أستحق كمواطن خدمة بلادي أن تمنحوني مجرد رقم.. رقم عنوان حق لطبيلة وأشتغل فيها؟ ليش أستأجر؟ هنا مكاني.. أعمل وأكون قريبًا من أسرتي.. ألا يستحق المتقاعد بعض المرونة؟”، ثم رفع حدة صوته: “ويش صار يعني لو عطيتوني رقم عنوان بتصك السوق؟ وإلا ما نسمعه مجرد كلام في كلام وحبر على ورق؟”.
المهم يا جماعة الخير، وعلى أية حال.. ها هي “لطبيلة” على حطة إيده! لكن المواطن مكسور الخاطر ويكرّر: “حتى رقم عنوان طبيلة ما عطوني”.. حتى لطبيلة حلم صعب المنال رغم سهولته.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية