+A
A-

"last film show" تحية لمخرجي السينما العظام بالحواس والوجدان

المخرج الهندي بان نالين صانع الفيلم الجميل  last film show يقدم بطريقة بالغة الصدق، قصة إنسانية مرتكزا على شخصية الطفل ساميه "بهفين راباري"، ذلك الطفل الحالم والعاشق للسينما الذي يخاطر بنفسه من أجل مشاهدة الأفلام في سينما قديمة في قرية شلالا بغوجرات بعد أن ارتبط بعلاقة صداقة مع عامل غرفة العرض الذي اشترط عليه أن يقدم له الطعام الذي تعده والدته، مقابل دخوله إلى الغرفة ومشاهدة الأفلام من خلال فتحة بحائط الغرفة.
كانت هذه الفتحة بالنسبة للطفل ساميه بمثابة العيون، التي يستطيع من خلالها التلصص على عالم السينما منبهرا بالضوء الذي يمنح الصورة وجودا كليا، ومن ثم الاقتناع بأن الكادر أو الصورة هي الوحدة الأولى في اللقطة الفيلمية أو المكون الأول لبنية اللغة أو النسق الفيلمي.
وبما أن الفيلم ما هو إلا تحديد لمساحة زمنية مرئية تحل محل الزمن الحقيقي، يقوم الطفل ساميه مع مجموعة من أطفال القرية من سرقة بكرات الأفلام من مبنى السينما، ومن ثم قيامهم بصناعة آلة بدائية من الخردة تشبه "البروجكتر"؛ لتحريك شريط "النيجاتيف" بحركة بطيئة "الرتم"، معتمدين على ضوء الشمس الذي يدخل من فتحة الجدار في مكان مهجور، وبعد مدة من الزمن تغلق سينما القرية وتستبدل أدوات عرض الأفلام القديمة والتقليدية بأدوات حديثة كـ "الديجتال" ويطرد العامل ويتم التخلص من آلة العرض ومجموعة كبيرة من بكرات الأفلام ورميها في ساحة الخردة؛ لصهرها وإعادة تصنيعها إلى أساور بلاستيكية بعدة ألوان، وهنا وعبر جرعة من المشاهد المتلاحقة يشاهد الطفل ساميه مراحل قتل أدوات عرض الأفلام التقليدية بقوة التكنولوجيا، تلك القوة التي تشكل أحد أهم عناصر عملقة العصر الحديث، واستجابة لتحديات واقعية معبر عنها بمواجهة الواقع ببديلة من جهة أخرى، حيث وجدت السينما نفسها مطالبة بتجديد روحها وأساليبها وأبنيتها الجمالية، ويختتم الفيلم بركوب الطفل ساميه قطارا مليئا بالنسوة اللاتي يرتدين تلك الأساور البلاستيكية التي تم إعادة صناعتها من بكرات الأفلام، وهنا تحديدا يعطينا المخرج درسه بإيقاع متناغم، فالكاميرا مسلطة على الأساور البلاستيكية ومعاصم النسوة وصوت من خارج الكادر كتحية لعظماء الفن السابع، يقول هذه الأساور تعبر عن المخرج " منموهاي ديساي" و" أميتاب باتشجان، و" جودار" ، و" فرانسيس كوبلولا"، و" تاركوفسكي"، و" هيتشكوك"، و" بيرغمان"، و" سكوسوزي"، و" كيروساوا "وغيرهم.
من أهداف مقومات العمل السينمائي التأثير على الجمهور المشاهد للفيلم، تلك المقومات التي تخاطب الحواس والوجدان وتتوحد مع الكلمة واللحن وتتناغم في توافق تام، بحيث يصبح لها قدرة فائقة للنفاذ إلى أعماق النفس، وقد استطاع المخرج بان نالين أن يوظف الإمكانات لتسند فكرته وتعبر عنها في صورة وحدات ودلالات حركية متابعة تعكس أفعالا وأحداثا في خط صاعد، فهو يضع عناصر البناء الدرامي في نظام جديد أدائي، ولا تظهر فيه مشاهد مجانية إطلاقا، ويصل لذروة حدثه بحنكة واضحة، كما أن مفردات الصورة والصمت والإيقاع في بعض المشاهد حققت كل عناصر البراءة والطهر في الناس وفي الطبيعة الساحرة التي تم التصوير فيها.
في هذا الفيلم الذي أنتج عام 2021 انتقل مفهوم المكان من مجرد إطار جغرافي للحدث، إلى عنصر فاعل وموحٍ دراميا، أي أن المكان غدا مؤنسنا، وعبر بأصالة عن طاقة الصورة السينمائية على الفعل والتأثير بوسائل تشكيلية.