العدد 5181
الأربعاء 21 ديسمبر 2022
banner
السيناريست نجيب محفوظ
الأربعاء 21 ديسمبر 2022

في الحادي عشر من شهر ديسمبر الجاري مرت ذكرى مولد عميد الرواية العربية الفائز بجائزة نوبل للآداب، نجيب محفوظ، ولم يكن محفوظ مجرد روائياً عظيماً فقط، بل كان "سينارست" ورقيباً سينمائيا، أبدع في كلتا المهمتين بنجاح ساحق، كما سبق أن أوضحنا في إحدى مقالاتنا عن الراحل الكبير.
فقد كان محفوظ، علاوةً على كونه روائيا متميزاً، عنصراً إبداعياً مهماً في كل الأفلام التي ارتبطت  باسمه، فمن بين المئة فيلم الأفضل في تاريخ السينما المصرية، فإن أكثر من ثلثها كانت له بصمة أساسية عليها، إما لسيناريو مأخوذ عن رواية أوقصة له، أو لأن هو كاتب سيناريو أحد أفلام تلك المئة فيلم الأفضل. 
وقد أعد الناقد السينمائي هاشم النحاس في كتابه القيّم" نجيب محفوظ على الشاشة" قائمة تحت عنوان " فيلموجرافيا نجيب محفوظ" أدرج فيها 60 عملاً سينمائيا ساهم فيها محفوظ قاصاً أو روائياً أو ككاتب سيناريو ( ص 243 من الكتاب). 
وفي تقديري فإن نجاح الأفلام التي كتب محفوظ سيناريوهاتها يعود بالدرجة الأولى إلى فهمه المعمق وتمرسه في فن الكتابة الإبداعية للسيناريو التي تعلمها على يد المخرج الكبير صلاح أبو سيف.
ولئن نوهت في واحد من مقالاتي عن محفوظ أن عدم قيامه بتحويل قصصه ورواياته إلى سيناريوهات يعود إلى نزاهته كسينارست، فلعلي أضيف إليها اليوم علاقته الحميمة بنصه الروائي وحرصه على إبقائه كما هو دون أن تُمس جمالياته على يد صاحبه، فمن الصعب عليه نفسياً اختزاله  إلى نص سيناريو تبديلاً وتحويراً وإضافات. وحينما سُئل في أحد الحوارات الإعلامية معه عما قاله بعض النقاد بأن هذا المخرج أو ذاك المخرج قد شوّه نص هذا النص أو ذاك النص من نصوص قصصه ورواياته، أو غيّب منه هذا الجزء أو أو ذاك ، دافع محفوظ عن حق المخرجين وكتّاب السينارست في التصرف في النص الأصلي للقصة أو الرواية عند تحويلها إلى سيناريو، على أن يكون ذلك وفق خلق إبداعي جديد لا يخلُ ذلك بفكرة ومضمون القصة أوالرواية، وما كان ذلك الدفاع إلا لأن محفوظ يعي جيداً متطلبات حبكة الفيلم وعناصر تطعيمه بما يجذب المشاهد وفق ما ينص عليه السيناريو، وأجاب بالمجمل العام بأنه راض عن التناول السينمائي لأعماله القصصية والروائية، عدا استثناءات محدودة. وفي تقديرنا  ما كان هذا الرضى ليبديه لولا لم يكن مُبدعاً ضليعاً ومحترفاً في كتابة السيناريو وشروطها المختلفة حتماً  عن متطلبات وشروط الكتابة الإبداعية للقصة والرواية. 
وفي سؤال وجهته إليه الإعلامية الاُردنية المتميزة ليلى الأطرش عما إذا كان يهاجم عبد الناصر في رواية "ميرامار" التي صدرت 1967 واُخذ عنها الفيلم الذي اُنتج 1969 بنفس العنوان، وخصوصاً على لسان الممثل الكبير يوسف وهبي الذي جسّد شخصية "الأقطاعي" بين نزلاء بنسيون " ميرامار" ، نفى ذلك وأرجع الأمر إلى شخصية الفنان وهبي الطاغية وأدائه القوي المبهر الذي "ابتلع الكل"، على حد تعبير محفوظ، بخلاف ما أراد له من دور مختلف في الرواية. وفي حين أبدى محفوظ انبهاره  بأداء الفنانة السينمائية سناء جميل في دور "مومس"في فيلم "بداية ونهاية" التي امتهنت هذه المهنة لإعالة عائلتها الفقيرة، شاركه في هذا الانبهار  كل من فريد شوقي وأمينة رزق.  وتزعم سناء جميل بأن أبو سيف عرض هذا الدور على فاتن حمامة قبل عرضه عليها لكن حمامة رفضته،هي المعروف عنها حرصها الشديد على تأدية الأدوار الرومانسية، ونفورها من تأدية أدوار الإثارة والمشاهد الساخنة.
والحال أن نصوص سيناريوهات نجيب محفوظ هي في الغالب متميزة ورائعة، وإلا لما نجحت أفلامها. وإذا كانت الأعمال المسرحية لأي كاتب مسرحي كبير التي تصدر في طبعات يمكن الاستمتاع   بقراءتها،حتى قبل تمثيلها  على خشبة المسرح ،فلا نعرف ما يحول دون إصدار الأعمال الكاملة لنصوص السيناريوهات التي كتبها محفوظ، فإذا كان قد تجاوزت الرغبة في قراءتها الأجيال التي شاهدت أفلامها، فعلى الأقل يستفيد منها جيل الشباب من كتّاب السيناريو في عصرنا، نقول ذلك بحذر، ما لم تكن صدرت دون معرفة كاتب هذه السطور.  

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .