العدد 5183
الجمعة 23 ديسمبر 2022
banner
أن نحب موليير
الجمعة 23 ديسمبر 2022

موليير الذي يعد من أعظم كتاب الكوميديا في المسرح عبر التاريخ، شخصية تستحق التأمل بوصفه مصدرا للإبداع الفني، ومازالت الدراسات تتعرف على طاقاته الإبداعية وأصالته وعمقه وذكائه رغم مرور عدة قرون على وفاته، فأية مسرحية تقرأها لموليير تجد ذلك المضمون الإنساني العميق الذي أراد أن يصوره لنا بأسلوب يتلاءم مع مفهوم الواقعية، متخطيا الطرق العادية للسرد والتصوير، تصوير الشخصيات والأحداث واضطراب المشاعر وفورانها في النفس، حتى أن الناقد الفرنسي الكبير سان بيف قال عن موليير: أن نحب موليير من كل قلوبنا وبمنتهى الإخلاص يعني أننا نكره الأخطاء والتواءات النفس، أن نحب موليير يعني أننا تخلصنا إلى الأبد ليس فقط من أنواع النفاق الرخيص، إنما أيضا من التعصب والقسوة والتعالي.
أن نحب موليير يعني أننا أصبحنا في مأمن من النوع الآخر من التعصب، التعصب السياسي الجامد القاسي الذي لا يرحم، وأننا ابتعدنا عن الشخصيات الباهتة التي لا طعم لها ولا لون، تلك الشخصيات التي تقف إزاء الشر موقفا سلبيا لا احتقار فيه ولا كراهية.
أن نحب موليير يعني أننا نمنح إعجابنا المطلق لذلك الإنسان الذي لا يعنيه إلا تمجيد النفس دون أن يتذكر نوع الخامة التي هو مصنوع منها، ودون أن يعي أنه مهما فعل لا يزيد على كونه إنسانا ضعيفا بحكم تكوينه البشري، وهذا لا يعني أن نحتقر كثيرا ذلك الإنسان الذي نضحك منه والذي يمثلنا بكل ما فينا من فضيلة ورذيلة، وبكل ما نملك من ضعف وقوة.
أن نحب موليير يعني أننا نستغل ظل التكلف في الكلام والتعبير، ونستهجن الحركات والإشارات المصطنعة، ونشمئز من القول المعسول والحذلقة الفارغة، أن نحب موليير يعني أننا لا نحب الحسن الزائف ولا التعليم القائم على الجهل والغرور، أن نحب موليير يعني أننا نحب الاستقامة في النفس والبساطة في الروح، نحبها كما نحبها في الآخرين.
*كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .