عندما تقرأ شعر خليل حاوي، تشعر أنه يفصح عن كل ما ينتابنا من العوامل النفسية، من رجاء ويأس، وفوز وفشل، قيم جمالية جديدة على أساس من المقاييس الروحية، وهذه المقاييس الروحية أكثر جوهرية واستمرارا في نظر حاوي لأنها مشتركة بين الأمم في كل العصور والأمكنة.
خليل حاوي.. هذا الشاعر العبقري الذي يجعلك راغبا في أن تفكر كل فكر وأن تحس كل إحساس مع وصفه لجوانب الحياة وشرح عواطف النفس، يرى أن العظمة في الشعر، تأتي من المضمون أكثر مما هي من حيث الشكل، أي من حيث الرؤيا إلى الوجود أكثر مما هي من حيث الصياغة، فيمكن أن يكون الشاعر جيدا من حيث الصياغة لكنه صغير، لأن إطاره واهتماماته وأغراضه ضيقة، العظمة تأتي هنا من حيث المضمون، عندما تكون عنده قضية كبيرة.
الشاعر الكبير مثل “غوته” مثلا يمتص ثقافة الإنسان كلها معا، فيكون بين الفلاسفة فيلسوفا، وبين العلماء عالما، وبين النقاد سيد النقد، وفي الوقت نفسه هو شاعر كبير، فالشاعر الكبير لابد أن تكون عدته جيدة وأن يكون مكتنزا ثقافيا. ويرى حاوي كذلك أن ضعف النهضة العربية الحديثة يكمن في أنها لم تنطلق من نظرة في الإنسان والوجود، لا الأفغاني ولا محمد عبده ولا غيرهم استطاعوا أن يخلقوا نظرة في الإنسان الحديث، كما ظهر في “كانت” مثلا وخلق نظرة في الإنسان، وكذلك ديكارت. هذه النظرة في الإنسان يمكن أن تصدر عن شعر شاعر أو فكر فيلسوف، وسر ضعفنا يكمن في الخوف، خصوصا الخوف من سيطرة النظرة الدينية. ماذا طرح شعراء تلك الفترة؟ شوقي مثلا ظل على هامش الحياة لأنه لم يعالج المسألة الأساسية، تحرير الفكر من سيطرة النظرة الدينية التي جمدت الفكر والحياة.
هذا هو خليل حاوي.. شعر ينتشر أمامنا كخيط أحمر عبر التاريخ وأروع من بنى شعره على وجهات نظر فلسفية.
* كاتب بحريني