نتذكر جميعا المدرسين العظماء الذين كان لهم بالغ الأثر في حياتنا، لكن من كانت لديه موهبة الكتابة والنقد والأدب ككاتب هذه السطور فالأمر حتما سيكون مختلفا، فأنا كنت أنظر إلى أستاذ اللغة العربية عاطف السلطي رحمه الله الذي درسني في المرحلة الثانوية، على أنه باب للمعرفة وأخذ على عاتقه سمات تكامل موهبتي في الكتابة.
لم يكن رحمه الله أستاذا عاديا يجيد تطبيق لائحة دراسية وتنفيذها على تلاميذه، ثم يلقيها عن كاهله في نهاية العام ويستريح، كلا.. فقد كان النقد بالنسبة إليه عملية رصد ثقافي واعية، أهم ما فيها أنها ليست ساكنة، لهذا فهي عملية خلاقة. وهذا المفهوم لديه ما كان يلقنه لي تلقينا عشوائيا، بل كان يتداول معي في شأنه، جوانب شتى في الرسم والنحت، في الرواية والشعر، في الموسيقى والباليه، في الفلكلور والأسطورة، في الفلسفة والتاريخ، في السياسة ودور الثقافة النازع دوما إلى تحرير الإنسان وتمجيد وزنه الفعال في صنع التقدم. والسينما تركيب متقدم من هذه الفنون ومجالات المعرفة جميعا، والنقد السينمائي لهذا لابد أن يكون رصدا خلاقا لخصوصيات هذا التركيب وتناميه واغتناء جوانبه وعناصره وتطور صورته الكلية وارتباطها بمحتوى حركة الزمن والثقافة المواكبة له.
كنت أنتهز وقت الفرصة وأذهب إليه في مكتبه لأستشيره عن كتاب ما، والغبطة تملأني لأنني ارتكبت مغامرة المجيء إلى وطن هذا المعلم العظيم لأغترف منه معلومات وكل ما يفيدني في عملية الكتابة والنقد، ولعل أثمن من تلتقي بهم في حياتك، إنما هم الذين ينفذون إلى أعماق ما تفكر وأعماق ما أنت عليه، فيرغمونك على أن تمحص كل ما لديك، فتجد نفسك حرا، طليقا، صافيا، مشحونا بالتوق إلى مزيد من المعرفة وتجاوز الذات.
استرجعت تلك الذكريات وأنا أشاهد القطيعة التي تحدث بين الطلبة ومدرسيهم في هذا الزمن، كون الطالب يتصور أنه بمجرد تخرجه من المدرسة أو بانتهاء العام الدراسي، تكون علاقته مع المدرسين قد انتهت، وهذه مشكلة جيل بأكمله.
* كاتب بحريني