العدد 5197
الجمعة 06 يناير 2023
banner
لا روائع أدبية بعد اليوم
الجمعة 06 يناير 2023

المعرفة عند المسرحي والمفكر الفرنسي أنطون آرتو عملية تنقيب وحفر مستمر للذات، وهي حل متصل بالرموز، وعملية دائبة من إلقاء الأضواء، وعندما تقرأ كتابه الجميل “المسرح ونسخته المزيفة” تكتشف بالتفسير والتعليل والتحليل خلاصة فلسفة هذا الفنان المتمرد الذي بداخله تركيبة غير طبيعية.
ففي هذا الكتاب فصلان بعنواني “مسرح القسوة” و”لا روائع أدبية بعد اليوم” أصبحا اليوم شعارين لحوارييه، ولكي نفهم آراء آرتو ينبغي لنا أن نترجم أقواله الشاعرية في جوهرها إلى لغة أكثر واقعية، فالقسوة عنده تعني العمق أو التعمق، فهو يتمنى للمسرح أن يقوم بما تقوم به ظواهر الطبيعة كالبرق والرعد، وقد كتب رسالة إلى صديق يقول.. هذه القسوة ليست أمرا له شأن بالسادية أو سفك الدماء، أنا لا أنمي الرعب إنماء مرسوما، إن كلمة قسوة يجب أن تفهم بمعناها العريض، فمن وجهة نظر العقل تعني القسوة الشدة، والصرامة والتعقل والعزم العنيدين والتصميم المطلق الذي لا ينثني.
في بعض العروض الأميركية للمسرح الحديث، يتوقع الناس من عنصر الحظ والصدفة الشيء الكثير، أمورا قد تحصل في المشاركة الحرة بين الممثلين والجمهور، لكن في المثل الذي ضربه آرتو عن العرض الذي لا عيب فيه من مسرح “بالينز” وهو مسرح غاية في الرفعة، يجد أن كل شيء مرسوم بدقة رياضية مذهلة، ولا شيء يترك للصدفة أو المبادرة الشخصية.
أما بالنسبة للشعار الثاني “لا روائع أدبية بعد اليوم” فإنها دعوة إلى إحلال المناظر والحركة والموسيقى والصرخات والنداءات، وغيرها من المؤثرات الصوتية محل المكانة الرفيعة التي تحتلها الكلمة المكتوبة، والوصفة التي يصفها آرتو تقارب وصفة غوردن كرايغ حين يقول.. عندما يقتنع رجال الأدب اقتناعا كافيا بوجوب دراستهم فن المسرح منفصلا عن فن الأدب، فلن يكون هناك حائل يحول بيننا وبين الترحيب بهم في عقر دارنا”.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية