العدد 5197
الجمعة 06 يناير 2023
banner
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
الجمعة 06 يناير 2023

كل الطرق الرئيسية في البحرين، خلال هذه الأيام، مليئة بلوحات كبيرة تدعو لمحاربة الفساد، وهذا يدل على الاهتمام الرسمي بمحاربة هذه الآفة المقيتة. ونذكر هنا التوجهات العالمية الرسمية للتعاون من أجل محاربة الفساد الذي استشرى في كل البقاع. ومنظمة الأمم المتحدة حرصت على توفير مجتمع دولي سليم وخالٍ من الفساد وكل ما ينجم عنه من نتائج سلبية تؤثر على التجارة والخدمات الدولية والحياة الآمنة. وتم إعداد اتفاقية دولية لمكافحة الفساد، وهذا العمل يعتبر من الخطوات الحميدة التي تنتهجها الأم المتحدة وتطالب الدول والمجتمع الدولي باتباعها لخلق بيئة سليمة نظيفة عن جرائم الفساد والمفسدين. وتتوالى الدول تباعا في اعتماد هذه الاتفاقية وتصديقها وفق المتطلبات القانونية لتصبح جزءا من قوانينها المحلية لمحاربة الفساد، وهذا بالطبع، سيقود لتطبيق أحكام الاتفاقية في كل دولة.
وتطالب الاتفاقية الدول الأطراف بالتعاون في المسائل الجنائية، المتعلقة بالقضايا الجنائية الدولية خصوصا غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها من قضايا الفساد التي تحددها الاتفاقية، والتعاون يشمل النظر في مساعدة الدول لبعضها البعض فيما يرتبط بالتحقيقات والإجراءات المتعلقة بالمسائل المدنية والإدارية ذات الصلة بالفساد. وإذا تم هذا التعاون بين الدول بصورة فعالة، فإن مكافحة الفساد ستغطي كل ما هو مفسد وفاسد. مع العلم، أن تنفيذ الاتفاقية الدولية يجب أن يراعي كل حقوق الشخص ومنحه المعاملة المنصفة في كل مراحل الإجراءات.
ومن أهم مجالات التعاون بين الدول لتنفيذ الاتفاقية، تلك المتعلقة بتسليم المجرمين. وتتضمن الاتفاقية الحالات والكيفية التي تتعامل بها الدولة عندما تتلقى طلبا بتسليم مجرم داخل حدودها، وفي العادة، فإن الفعل الإجرامي الذي تم ارتكابه يعتبر جريمة في الدولتين، ولكن الاتفاقية تشمل حالات التسليم حتى تلك الحالات التي يكون الفعل المطلوب بموجبه التسليم لا يعتبر جريمة في الدولة التي تم التقدم لها بطلب التسليم، شريطة أن يكون الفعل من الجرائم المذكورة في الاتفاقية. وهذا يوسع نطاق التعامل بين الدول احتراما لدور الأمم المتحدة في مكافحة الفساد. وبعد التسليم، بالطبع، سيأخذ القانون مجراه وفق الإجراءات القانونية والقضائية مع حفظ كافة الحقوق والضمانات القانونية. والمتهم بريء حتى تثبت إدانته وفق القانون وبموجب القانون، ولكن لابد من التعاون بين الدول؛ لضمان وصول هذا المتهم لساحة القضاء وألا يفر بجلده بعيدا عن المساءلة القانونية. 
وفي بعض الحالات ربما تمتنع الدولة متلقية الطلب عن تسليم الشخص؛ لأنه أحد مواطنيها، وفي مثل هذه الحالات تلزم الاتفاقية هذه الدولة بإحالة الموضوع دون إبطاء إلي سلطاتها المختصة للملاحقة القانونية ويجب على هذه السلطات اتخاذ كل الإجراءات القانونية المطلوبة. 
ومن الملاحظات الواجبة أن هذه الاتفاقية، وفي سعيها لتحقيق أقصى درجات التعاون بين الدول الأطراف، تنص صراحة على أنه لا يجوز للدول الأطراف أن ترفض تقديم المساعدة القانونية المفروض تقديمها بموجب أحكام الاتفاقية تذرعا بمبدأ وحجة السرية المصرفية. وهذا الأمر قد تتوقف عنده بعض الدول وتتحفظ عليه، وبدورنا ننصح بضرورة المطالبة بتقديم تعليمات قضائية لتقديم المعلومات المصرفية السرية أو عدم تقديم المعلومات المصرفية إلا بعد الاتصال بالعميل المعني للحصول على موافقته قبل تقديم المعلومات. ومن الطبيعي البحث عن الأموال والودائع والمحفوظات في أضابير البنوك ولكن، ونظرا لحساسية الأمر وآثاره البعيدة، ولتحقيق أقصى درجات الأمن والسلامة للحقوق المصرفية فمن المفيد تضمين الاتفاقية ما يفيد بالحصول المسبق على التعليمات القضائية لتقديم المعلومات المصرفية السرية. وإذا تم هذا الإجراء بهذه الطريقة القانونية فإن التعاون الدولي سيتم دون إبطاء؛ لأنه مسنود بأوامر من القضاء أو النيابة العامة.
ومن الواضح أن هذه الاتفاقية تناشد بالتعاون الدولي الجاد للحد من جرائم الفساد ويجب أن يقف الجميع في صف واحد؛ لأن الفساد لا يعرف الحدود بل يلتهم كل شيء لتحقيق أهدافه السوداء. والاهتمام المحلي بمحاربة الفساد يجب أن يكون من الأولويات مع رفد هذه الأولويات بضرورة التعاون الدولى.
* المستشار والخبير القانوني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية