العدد 5204
الجمعة 13 يناير 2023
banner
دعم نشاط التمويل الأصغر
الجمعة 13 يناير 2023

الكل في البحرين يتحدّث عن التمويل الأصغر والمتناهي الصغر وضرورة دعمه نظرًا للدور الكبير الذي يلعبه في التنمية الاقتصادية والمجتمعية. ولكن هل هذا الحديث يتحوّل إلى خطط عملية فعلية أو يظل مجرد حديث وأفكار مطلقة. من دون شك، تلعب هذه المؤسسات دورًا كبيرًا في مساعدة الأفراد والرواد للنهوض بواجباتهم المتعددة في تنمية الحركة الاقتصادية من عدة مناحٍ من أهمها توفير فرص العمل الشريف للشباب من الجنسين مما يؤدي إلى محاربة البطالة وغيرها من السلبيات الاجتماعية. 
 وعلى البنوك ومؤسسات التمويل والمؤسسات البحثية تكثيف الجهود من أجل البحث عن الفرص الجديدة والمشاريع الواعدة وتوفيرها لمؤسسات التمويل الأصغر لتنفيذ ما يرونه مع تقديم التوجيهات الإرشادية لهم، للعمل في المجالات المهمة لتغطية حاجتهم الذاتية وفي نفس الوقت تغطية الحاجة القومية. وهذا الدور الهام ينبغي أن تقوم به مؤسسات التمويل وغيرها لما لها من إمكانيات ونظرة شمولية وتجارب متنوعة لا تتوفر لدى طالبي التمويل الأصغر لضعف إمكانياتهم وقلة تجربتهم وحيلتهم.
 إن فشل المؤسسات التمويلية والبحثية في تقديم المشاريع الجديدة المتنوعة وعدم أخذ زمام المبادرة في هذا الجانب قد لا يفتح الآفاق والفرص الجديدة وبالتالي سيقوم الشباب بالمحاكاة، وتكرار نسخ المشاريع القائمة من دون مراعاة للحاجة أو عدمها مما يقود إلى حدوث التخمة في بعض المشاريع وهذا بدوره سيقود إلى الركود ثم الفشل ثم عدم السداد ثم القضايا ثم الفشل أو التلكؤ في التنفيذ، وهكذا تدور الدوائر على البنوك ومؤسسات التمويل ويتركز الجهد في المواجهة أمام المحاكم بدلاً عن التركيز في التمويل والترويج.
يجب أن نذكر أن هناك تجارب ناجحة في عدة دول حيث هناك فرق خاصة ومعاهد وبيوت خبرة تقوم بدراسة الأوضاع والقطاعات المختلفة في البلد لتجهيز المشاريع الجديدة التي تصلح لأن تعمل فيها مؤسسات التمويل الأصغر، مع تحديد المبالغ المطلوبة لكل مشروع وكيفية صرفها وإعادتها في أوقاتها المبرمجة. ومن هذا يتضح أن هناك من يقوم بتجهيز “الملعب” وعلى مؤسسات التمويل والمؤسسات الطالبة للتمويل تكملة دورهم وتقديم مباراة نظيفة وفق قواعد وقوانين اللعبة. والأمثلة كثيرة ومعلومة لمن يعمل في هذا المجال ويجب الاستفادة من هذه التجارب الناجحة ليؤتي التمويل الأصغر أكله وتتضاعف فوائده لجميع الأطراف.
وقد يكون من المفيد إذا قامت مؤسسات التمويل بخطوات جريئة والتفكير “خارج الصندوق”، وذلك بالعمل على تجميع طالبي التمويل الأصغر ليعملوا في “مجموعات” يتم تمويلها بصفة جماعية أو مشتركة، وهذا يسهل التعامل ويضاعف نتائجه لأن الفائدة تشمل مجموعات كبيرة، وأيضًا يكون من الأجدى عمل وتجهيز حاضنات (انكيوبيترز) للأفراد أو المجموعات و”حضنهم” للفترة المناسبة ثم السماح لهم بالاعتماد على أنفسهم وترك الحاضنات لمن يحتاج.
وهذه الحاضنات يجب أن تعمل وفق ضوابط صارمة ولفترات محددة يجب عدم تجاوزها مع توفير اللوائح لكيفية متابعة المشروع وطالب التمويل لضمان تحقيق الفائدة المرجوة وفق الجدول الزمني، مع وجود الضوابط أيضًا لمقابلة حالات الفشل أو التقاعس عن التنفيذ بواسطة أي طرف. 
إن مساعدة الفئات الفقيرة والصغيرة من الأمور المهمة، وفي هذا الخصوص فهناك من يرى أن يكون دور البنوك مشابهًا لدور المؤسسات الاجتماعية الخدمية التي تساعد الشرائح الضعيفة في المجتمع. ولكن هذا الفهم في غير مكانه لأن البنوك عندما تقدم قروضًا أو دعمًا ماديًّا فهي محكومة بضوابط قانونية مصرفية وهناك أعراف مصرفية تتم ممارساتها بصفة ثابتة ولا بد من مراعاتها. ومن هذه الضوابط  القانونية والأعراف ضرورة الحصول على الضمانات الكافية للرجوع إليها عند الفشل في السداد. ومن الضوابط  أيضًا التأكد من اتباع ضوابط الالتزام وتنفيذ القانون ومنها تطبيق مبدأ “اعرف عميلك” و”اعرف عميل عميلك” و”اعرف مشروع عميلك”، وإلا قد يتعرّض البنك للمساءلة القانونية والغرامات وفقدان السمعة إذا تبين أن هناك تسهيلات مصرفية تخالف القانون. 
 ومن الضوابط  والأعراف المصرفية أيضًا تقديم القروض والتسهيلات لجهات ظلت تعمل في السوق ولها نشاطات لفترة من الزمن وحققت أرباحًا ولديها ميزانيات مدققة تبين الموقف المالي بجلاء وكذلك الانضباط المؤسسي وغيره، ولكن بالنسبة للتمويل الأصغر هذا قد لا يتوفر وقد يحضر شخص مبتدئ تمامًا أو طالب حديث التخريج، بحثا عن التمويل. وبالطبع ففي مثل هذه الحالات توجد مخاطر مصرفية وقانونية عديدة لا بد من مراعاتها بل والاستعداد لمواجهتها وفق لوائح محددة يجب صياغتها وتطبيق تنفيذها بصفة منهجية ومؤسسية. وهنا، لا بد من تدخل الجهات المختصة لتوفير الضمانات الكافية لدعم هذه الشرائح المتطلعة للمستقبل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .