العدد 5205
السبت 14 يناير 2023
banner
أحداث البرازيل ودلالاتها
السبت 14 يناير 2023

خلال الأسبوع الماضي وقعت أحداث سياسية في البرازيل على درجة من الأهمية في خطورتها ودلالاتها، وإذ تابع مجرياتها كل العالم، فإنها في واقع الحال لم تكن مفاجئة لمن تابع عن كثب من بُعد مقدماتها وجذور وأسباب حدوثها، ذلك أن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في خريف العام الماضي والتي أسفرت عن فوز الرئيس اليساري لولا دا سيلفا على غريمه اليميني المنتهية ولايته جابير بولسونارو لم تكن حاسمة بنسبة كبيرة، بل أقرب إلى التعادل، (59.9 % مقابل 49.1 %)، ولما كانت هذه النتيجة سليمة غير مزورة فهذا يعني أن هناك انقساما نصفيا عميقا في المجتمع البرازيلي، عبّرت عنه نتيجة الانتخابات، وهذا الانقسام جرى على خلفية الصراع الاجتماعي الحاد الذي شهدته وتشهده البرازيل منذ عقود طويلة، كما لم يأت هذا الانقسام من تلقاء نفسه بالكامل بعيدا عن تدخلات القوى الكبرى ذات المصلحة في ذلك الانقسام، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إذ لطالما أعطت هذه الأخيرة لنفسها حق التدخل والوصاية على دول أميركا اللاتينية، والتي اعتبرتها منذ عقود طويلة بمثابة "حديقتها الخلفية" تسرح وتمرح فيها وترعى كما تشاء بلا حساب وبلا رقيب.

وبالتالي فلا نتوقع أن العملية الديمقراطية في هذه المنطقة النائية والحساسة من العالم ستجري بسهولة ويسر بعد عقود طويلة من الأنظمة العسكرية المتعاقبة التي أقامتها ومولتها الولايات المتحدة، لا بل إنها عملت على إسقاط عدد من حكومات الأنظمة الديمقراطية الجنينية الواعدة بالتطور، ولعل أشهرها حكومة الوحدة الوطنية بزعامة الرئيس الاشتراكي سيلفادور الليندي في شيلي حيث دبرت له انقلابا عسكريا بزعامة الجنرال أوجستينو بينوشيت انتهى بمقتله داخل قصره المحاصر بالدبابات عام 1973. وبسبب فجاجتها وإخراجها المتعجل السيئ لم تترك محاولة الانقلاب الأخيرة الفاشلة على الرئيس الشرعي المنتخب لولا دا سيلفا المجال للرئيس الأميركي جو بايدن وحلفائه الغربيين سوى إدانتها على استحياء، سيما وأنها جاءت في أحداثها أشبه بنسخة مطابقة لما جرى من قِبل أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في يناير 2021 حيث حرّض أنصاره على اقتحام مبنى "الكابيتول" بمجلسيه، الشيوخ والنواب، بدعوى تزوير الانتخابات.

وهكذا لم يحدث قط أن عمل الاستعمار الكولونيالي الغربي على غرس وتطوير نظام ديمقراطي لا يرتهن لمصالحه في أية منطقة احتلها في العالم، سواء خلال الحقبة الاستعمارية الأوروبية، أو خلال الحقبة الأميركية التي ورثت الأولى، وبرزت بوجه خاص في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فما بالك أن العم "سام" كان لديه وجود فيما يسمى "حديقته الخلفية" منذ القرن الثامن عشر. ولعلنا نجد في الكتابين المهمين "الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية" لمؤلفه ادواردو جاليانو، وكان أن قام بتأليفه في مونتفيديو بأوروجواي عام 1970، تناول فيه محللاً بالتفصيل تاريخ النهب الأميركي الطويل لدول القارة حتى مشارف سبعينيات القرن الماضي، وكذلك كتاب "اعترافات قاتل اقتصادي" للمؤلف الأميركي جون بيركنز، لعلنا سنجد فيهما توثيقا دامغا بالغ الأهمية لتاريخ جرائم الولايات المتحدة، ليس لفرض اقامة امبراطورية دائمة لها تفرض العبودية والبؤس والموت على ملايين الناس من شعوب القارة الأميركية اللاتينية فحسب، بل وفي مناطق عديدة من العالم لاسيما في منطقتنا الشرق الأوسط.

 

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية