العدد 5210
الخميس 19 يناير 2023
banner
الغربة الاجتماعية
الخميس 19 يناير 2023

لا يدرك ما يدور حوله، لا يرغب بلقاء أحد، ولا حضور المناسبات الاجتماعية أياً كانت، لا يشعر بالانتماء أصلا لمجتمعه الذي يحيا فيه؛ فكيف يشعر المرء بأنه غريب بين أهله وقومه، وهل هو ناتج عن آلام دفينة يعاني منها، وهل من سبيل للتخلص من تلك الغربة الاجتماعية القاتلة للنفس والروح على حدٍ سواء؟
الغربة هي ذلك البعد الذي يولد الحنين للأصل والمنشأ في الحالات الطبيعية، لكن الغربة الاجتماعية النفسية تقع حين يبتعد الفرد عن محيطه في حالة نفسية تتخلل عمق النفس فتضعفها وتقودها نحو الانهزامية وضعف الإرادة تجاه هذه الغربة الداخلية، وهي ليست سوى تصور داخلي لدى الفرد نتج عن عزلته الفكرية واختلاف اتجاهاته الثقافية عن الآخرين، وعدم توافقه مع اتجاهاتهم، أو رفض مجتمعه آراءه واتجاهاته الفكرية، الأمر الذي يحدو به نحو الانكفاء على ذاته وعدم الرغبة بالاندماج بمن حوله. وقد يكون المحيط الأسري قبل الاجتماعي هو ما ساهم في تقوقع الشخص المغترب اجتماعيا، بسبب الضغوط التي قد تمارسها الأسرة في التربية كالرقابة الشديدة والضبط اللذين يخلقان منه فردا خائفا مترددا من الاندماج في المجتمع الذي يمارس بدوره رقابة من نوع أقسى ومقتا أعنف حين يبدي تجاوزا للأعراف والقيم ويحاول التسلق فوق أسوار مجتمعه.
إن التسارع في التكنولوجيا وتنوع مصادر المعرفة ودخول ثقافات جديدة تؤثر بالفرد وتشكل قناعاته؛ بيد أنها قد تتعارض مع القيم الدينية والثقافية التي نشأ عليها والعادات والأعراف التي تتصارع هي الأخرى مع الدين الذي يعتنقه، وهذا ما يحجمه عن اعتناق أفكار مجتمعه وازدراء أعرافه وربما دينه وتراثه الفكري والحضاري كذلك، لينسلخ من بيئته فكريا ومعنويا وماديا في أحيان أخرى حين يختار الاغتراب الحسي لا النفسي وحده، والهجرة لمجتمعات قد تتناسب واتجاهاته وتحتويه وتتفهم حاجاته وتلبيها. تبقى التوعية المستمرة من خلال الأسرة ووسائل التوعية المختلفة علاجا لتلك المشكلة، كما يتوجب على مؤسسات المجتمع المحلي دمج الشباب في المجتمع من خلال أنشطة وفعاليات تعزز الارتباط والانتماء للمجتمع. الغربة النفسية تنشأ من ضعف الوازع الديني لدى الفرد، لذا وجب على الجهات المعنية نشر التوعية الدينية والعقائدية من أجل تخريج جيل مؤمن قوي لا يضعف بالفتن.
*كاتبة بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .