العدد 5211
الجمعة 20 يناير 2023
banner
الجرائم السيبرانية.. أكبر خطر
الجمعة 20 يناير 2023

سئل عدد كبير من الرؤساء والمديرين التنفيذيين لكبار الشركات في مختلف مجالات الإنتاج والخدمات، عما يعتقدون أنه من الأخطار والمخاطر الكبيرة التي تهدد شركاتهم وقطاع الأعمال والخدمات، ولقد كانت الإجابة القاطعة لغالبيتهم أن أكبر خطر يهدد شركاتهم هو “الجرائم الإلكترونية”. وقالوا إن هذا الخطر يهددهم على مدار الساعة، ويقوض أركان شركاتهم في الظلام ودون الحصول على إذن أو الكشف عن كنهه إلا بعد حصول الدمار. هذا الخطر الذي تم الاتفاق عليه، من دون شك، يشكل منعطفاً خطيرا في قطاع الأعمال والخدمات لأنه يعرض هذه القطاعات للخسائر المادية والمعنوية الجسيمة وللدرجة التي تؤثر على تطور هذه القطاعات وتأخر نموها. بل تتسبب هذه الجرائم في العمل على تشتيت تفكير الشركات وانصرافها عن مهامها الرئيسة للتركيز على الدفاع عن نفسها وأخذ التحصينات المكلفة، وكل هذا على حساب الإنتاج والإبداع والتميز.. وهنا مكمن الخطر.
الإحصاءات والدراسات أوضحت أن الجرائم الإلكترونية على الشركات، تتسبب في خسائر مادية تتجاوز المليارات من الدولارات. بل والأخطر أن هذه النسبة مستمرة في تصاعد فلكي لأنها تهاجم الشركات بكل شراسة وتقوم بالاختراق والتلصص والسرقات والتدمير.. وتجاوز الحصون المحصنة لأنها كالقدر تأتي من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب، وتقع كالقدر وتضرب كل الاتجاهات من دون تمييز للكبير أو الصغير والجميع سواسية، والجميع في مرمى الهدف والإصابة.
والسؤال، هل هناك حل؟ وهل هناك مفر من هذه الجرائم الإلكترونية المثيرة والمخيفة؟ والجواب، بكل بساطة لا يوجد مفر منها.. والى أين المفر بعد أن انطلقت الثورة التقنية من كنانتها في كل الاتجاهات وبعضها مسوم وموسوم؟ وإذا كان هذا هو واقع الحال الذي لا بد منه، فإننا نعتقد مع غيرنا أن مواجهة هذه الجريمة ذات الوسائل والمعاني والأهداف الحديثة تتطلب أولا مواجهة ومعالجة أسبابها ومبرراتها ومن يقف خلفها. لأن معرفة المجرم ومعرفة أسباب الجريمة يشكلان المحور الرئيس في كيفية مجابهتهما معا والتصدي لهما وفق ما هو مطلوب. بالطبع هناك ضرورة قصوى لوجود التشريعات الضرورية لمعاقبة مرتكبي هذه الجريمة الخطرة مع العمل في نفس الوقت على القضاء على الجريمة نفسها وإزالة مسبباتها قدر الإمكان. 
إضافة لوجود التشريعات المتطورة والحديثة لابد من توفير الكفاءات القانونية المتمكنة من الفهم الواضح لهذه التشريعات لتطبيقها التطبيق الصحيح والفعال لتؤتي أُكلها. وربما ظهرت الضرورة الماسة لإقامة محاكم ونيابات خصوصا ومتخصصة لنظر هذه القضايا والفصل فيها بكل مهنية واقتدار قانوني متطور وعلى استعداد لمجاراة هذه النوعية الجديدة من مجرمي الياقات البيضاء من ذوي الكفاءات والمقدرات المهنية العالية. ونظرا لأن مرتكبي الجريمة يتمتعون بالتأهيل والتعليم المهني الذي يمكنهم من استغلال علمهم ومعرفتهم المهنية، فيجب أن تكون عقوبة هذه الجرائم مضاعفة ومشددة لأن الخطر أتى من مكمن الثقة وأهل البيت وحراسه.
في نظرنا، هناك ضرورة لتشديد العقوبات لردع مرتكبي ومخططي هذه الجرائم؛ نظرا لأنها تهدد كل المجتمع خصوصا وأن آثارها لا تقف عند المعتدى عليه فقط بل تتجاوزه وتنتشر في كل الأركان وللدرجة التي تهدم الثقة وتسبب الخوف والهلع.. وإذا كان هناك مثلا من يسرق أموالي من حسابي دون علمي فهذا قد يدعوني لفقدان الثقة في القطاع المصرفي.. وهكذا تتعدد الأمثلة.. وهذا يستدعي ضرب هذه الجريمة بكل قوة وحزم.  كذلك هناك حاجة ماسة لتوفير وتدريب أعداد كافية من الفنيين في كافة مجالات التقنية الحديثة، ممن يفهمون لغة التقنية وأسرارها في ما بين السطور، وذلك للعمل مع المحققين والمحاكم والنيابات حتى يتم الكشف عن المجرم وأعماله الإجرامية. والضرورة هنا تأتي، لأن غالبية هذه الجرائم تقع دون محاسبة لصعوبة اكتشاف المجرم أو لصعوبة اكتشاف الجريمة في الوقت المناسب. ولذا هناك ضرورة قصوى لتجهيز جيوش مدربة من الكفاءات ذات الدراية للوقوف في خط الدفاع الأول في مواجهة هذه الجرائم الحديثة والمعقدة وكل من يقف خلفها ومقارعتهم بنفس أسلحتهم ووسائلهم التقنية. ولنتحرك.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .