العدد 5213
الأحد 22 يناير 2023
banner
صدقت أمي للمرة المليون!
الأحد 22 يناير 2023


في كل مرة كنت بصدد الاشتراك في مسابقة للقصة القصيرة أو كتابة عمود ما أو حتى الإقدام على الدراسة في مراحل عمري المختلفة منذ الابتدائي إلى الدكتوراه، كانت والدتي تباغتني بالسؤال المفضل لديها.. وهو "أين وصلتي؟"، كنت أكره هذا السؤال! وحاولت مرارا أن أشرح للوالدة أن شخصا مثلي يحتاج في كل مرة يُقدم فيها على الكتابة أو المذاكرة أو غيرها أن يكون مستعدا وبمزاج عال، "أو بالعامي أن يكون في المود"، وكانت في كل مرة ترد علي بنفس الإجابة "كان الكاتب الكبير نجيب محفوظ يكتب بشكل يومي وفي ساعات محددة ولم أقرأ ذات يوم عن مزاجيته أو عن ما تصفينه "بالمود" بل كان يقرر أن يكتب فيجلس ويكتب ". 
ولم أملك يوما ردا على ما تقوله أمي، لكنني كنت أقول لذاتي ذاك نجيب محفوظ، من الممكن أن يكون مختلفا وأن يكون بالوصف الدقيق الذي ترمي إليه والدتي، فهو يأمر نفسه بالكتابة فيكتب، ولم لا فهو حائز على جائزة نوبل، وله من المؤلفات ما لا يعد ولا يحصى، ذاك نجيب محفوظ لا مجال للمقارنة، ولا يمكن أن تكون للجميع تلك المهارة وهذا الإتقان في أمر الذات والانصياع لها! كان ذلك الجدل بيني وبين والدتي وبيني وبين ذاتي على مر ثلاثين عاما أو أكثر، لم أصدق لمرة واحدة أن من الممكن أن يأمر الإنسان نفسه وينصاع نحو النجاح بأمر من داخله مهما كانت الظروف المحيطة، أن يكون ناجحا في أي مكان وأي زمان وأي علم دون أن تتدخل مزاجيته أو مشاعره في ذلك أو حتى أن يميل نحو التراجع أو اليأس أو تغيير طريقه، كان ذلك كله جدلا خياليا ناقصا لا إثبات له سوى ما تردده أمي على مسامعي بين الفينة والأخرى عن حياة الكاتب الكبير نجيب محفوظ، إلى أن
ذهبت على عجالة من أمري بعد انتهاء دوامي لأقدم واجب العزاء في وفاة والد إحدى الزميلات العزيزات وهي علمٌ لا يعرف، وقد ساقتنا الأحاديث الجانبية إلى التحدث عن مراحل الدراسة المختلفة، وقد دهشت بأن الزميلة العزيزة هي وأخواتها من الأوائل على مملكة البحرين في جميع المراحل الدراسية، ليس لنقص في ذلك إنما لقدرتها على التأقلم ودراسة أي علم بمهارة وإقدام.
أتحدث هنا عن الدكتورة ضياء الكعبي رئيس قسم اللغة العربية بجامعة البحرين، والتي كنت أسألها عن سبب دراستها اللغة العربية وإن كانت قد خططت لذلك مسبقا لتفاجئني أنها وأخواتها جميعا من أوائل المتفوقات على المملكة وأن مسألة اختيار التخصص كانت تقارن بما يقدم لهن من بعثات، وأنها استطاعت هي وأخواتها الدراسة والتفوق في كل مادة بل وكل مرحلة عمرية، والزميلة الدكتورة الكعبي من أمهر وأنشط الدكاترة على مستوى الجامعة، بل ويزيد على ذلك ما تقدمه من خدمة للمجتمع وأبحاث ومنشورات وكتب، والأهم هو نقل تجربتها في ذلك ومن يعرف الدكتورة عن كثب وإقدامها على العطاء والنجاح وحبها ما تفعل وليس فعلها لما تحب فقط سيتذكر بالتأكيد كلمات أمي !

كاتبة وأكاديمية بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية