العدد 5216
الأربعاء 25 يناير 2023
banner
فضاءات لغوية رضي السماك
رضي السماك
مأساة نفائس الكتب النادرة
الأربعاء 25 يناير 2023

كتاب " الحداثة الممكنة.. الشدياق والساق على الساق ..الرواية الأولى في الأدب العربي الحديث" للأستاذة الأدب الإنجليزي والناقدة المصرية الراحلة رضوى عاشور، هو من أفضل الكتب التي سلطت الأضواء على العالم الكبير والمجدد اللغوي أحمد فارس الشدياق صاحب كتاب " الساق على الساق فيم هو الفارياق" ، وعلى الرغم من تحفظنا -منهجياً- على  مصطلح " الحداثة"، من حيث هو مفهوم واسع فضفاض يمكن  إطلاقه على عواهنه في الكتابات والمؤلفات، إذ يمكن استخدامه حتى في العلوم الطبيعية بهذا المفهوم من جهة  تطورها "حداثياً"  أو حتى إطلاقه؛ للمقارنة بين شتى المجتمعات لقياس مستويات تطورها الحضاري والعمراني، بل وفي مختلف ضروب التطور "الحداثي" الأخرى، وبالتالي فلئن صح توظيفه في مختلف الدراسات الإنسانية والأنثربولوجية، إلا أنه بحاجة -في تقديرنا-  إلى ضبط أكبر مُحكم الدلالة في الكتابات والدراسات السياسية، وتسييج دلالاته، بربط  "الحداثة" سياسياً بتطور البنية الاجتماعية وما يدور في المجتمعات المعنية -موضع الدراسة- من اصطراعات اجتماعية وتباينات، ولو نسبية، وانعكاسها وتأثيرها بالتالي على مستويات تطورها. على أننا قبل أن نتناول بالتحليل كلا الكتابين، للشدياق وعاشور، سنتناول إلماما ما أثارته الأخيرة في نهاية مدخل دراستها من قضية مزمنة مؤرقة تثير الأسى الشديد، وهي على درجة من الأهمية، وما برح العرب يعانون منها منذ فجر الحضارة العربية الإسلامية، ونعني بها ضياع أو تضييع نفائس الكتب النادرة- حرقاً أو إهمالاً- أو التخلص منها إعداماًجهلا بقيمتها الاستثنائية.   


تروي عاشور بأنها أثناء جمع مصادر دراستها عن الشدياق وجدت في مكتبة كلية الآداب بجامعة عين شمس نسخة نادرة من كتابه " الساق على الساق " طُبعت في القاهرة مطلع القرن العشرين، وظنت مطمئنة بأنها ستعود لاستعارتها لاحقاً، وعندما عادت إليها بعد فترة وجيزة صعقت لاختفائها، ليس بسبب إعارتها، لكن لأنه من عادة المكتبة أن تتخلص دورياً من الكتب القديمة؛ لإفساح حيزها لكتب جديدة، سيما الكتب المهترئة! هذه الواقعة ذكرتني بواقعتين مشابهتين: الأولى عندما رأيتُ باُم عيني في إحدى المرات مسؤول المكتبة العامة التي تخدم منطقتنا يُكلف أحد العاملين فيها برمي مجموعة من الكتب والدوريات- القديمة نسبيا وغير البالية- في برميل القمامة، ففكرت بإثناء المسؤول عن فعلته، ولكن عدلت عن ذلك، فلا فائدة من مجادلته بأهمية تلك الكتب النفيسة النادرة، وخصوصاً إذا ما كانت لديه توجيهات من أعلى، ورغم سعادتي بالظفر بتلك النفائس، إلا أن سؤالاً ظل يؤرقني عما سيظن بي يا تُرى من ستؤول لهم هذه الكتب والدوريات، وعلى صفحاتها ختم إدارة المكتبات العامة!

أما الواقعة الثانية التي عاينتها شخصياً فكانت أمام بوابة المكتبة العامة بجامعة البحرين، حيث أعتدت البقاء في المكتبة أثناء محاضرات إحدى بناتي طوال سنوات دراستها بعد توصيلها للجامعة، فكان أن حضرت عندي ذات يوم بعد انتهاء محاضراتها إلى داخل المكتبة ، وإذا بنا نشاهد بعد خروجنا من باب المكتبة كومة هرمية من الكتب مكومة تكويما فوضوياً -ككومة الحجارة- على ظاهرة شاحنة " سكس ويل"، سألت الأخ علي الفضلي أحد مسؤولي  المكتبة المناوبين حينها، فأخبرني بأن مصيرها جهنم وبئس المصير، ولم أعرف إلى أين يا تُرى سيُلقى بها.


وإلى جانب العالم اللغوي اللبناني الشدياق الذي ظلمه قومه في عصره أيما ظلم،  ولم يقدروه أحق التقدير ،ستكون لنا في هذه الزاوية صولات وجولات أيضا مع الأستاذ اللغوي الفلسطيني عارف حجاوي؛ لنسلط الأضواء على ما تكتنزه جعبته من معارف لغوية وإعلامية واسعة وغزيرة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .