العدد 5218
الجمعة 27 يناير 2023
banner
المثقفون بين الكابيتانو وسينما الشعب
الجمعة 27 يناير 2023

عندما أطلق الزعيم الهندي الراحل ومؤسس حزب المؤتمر جواهر لال نهرو في خمسينيات القرن الماضي شعاره التاريخي لدعم النخب، لم يتصور العالم آنذاك أن الهند ذات الكثافة السكانية العالية والتي بلغت في ذلك الوقت خمسمئة مليون نسمة يمكن أن يتولى المثقفون أمرهم، في ذلك الوقت توجهت كل سياسات الدولة الهندية نحو تمكين المثقف وإعداده وتجهيزه بحيث يكون قادرًا على توجيه الكتلة البشرية العملاقة، ومنذ ذلك الوقت والنخب الهندية تلعب دورها الطليعي في رفع الكتلة البشرية الهائلة إلى عنان السماء حتى أصبحت الهند اليوم إحدى القوى العظمى المؤثرة في العالم الجديد.


في خمسينيات القرن الماضي لم تكن مصر بعيدة كثيرًا عن الهند لكن لأسباب كثيرة وعوامل متعددة لم تستطع النخب المصرية أن تساهم في رفع المقدار الكبير للكتلة البشرية النامية والتي كانت تزداد بمعدل سنوي لا يقل عن 2.6 %، ومرت الأيام وتضاءل تأثير النخب وأصبحوا على الهامش من المجتمع المتنامي والمتغير حتى فطنت مؤسسات المجتمع المدني المصرية مؤخرًا وعلى رأسها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي انتفضت وأخرجت المكنون المصري المتراكم عبر السنين، وبدأت على الفور بإطلاق مبادراتها الخلاقة بدءًا من القوى الناعمة "الرياضة، السينما، الإنتاج التليفزيوني الفني، الصحافة ودور النشر، وأجهزة الإعلام المختلفة"، حتى وصلت تلك المبادرات إلى عمق المجتمع المصري لتلمس قطاعات الرياضة والشباب واكتشاف المواهب الجديدة من خلال مبادرة "كابيتانو"، بالإضافة إلى سينما الشعب عن طريق إحياء قصور الثقافة وإعادة الروح إليها من جديد، وإنشاء دور سينما متطورة فيها، وبأسعار رمزية حتى يتمكن الشباب من متابعة أحدث الأفلام السينمائية، خصوصا التسجيلية التي تفوز بجوائز متعددة في المهرجانات العربية والدولية.


هذا يوضح إلى أي مدى لعبت المبادرة الوطنية للمتحدة للخدمات الإعلامية دورًا كبيرًا في إطلاق المارد الشعبي من قمقمه، وتحريضه على الإبداع وإعداده ليكون بمثابة المشروع الكبير لإعداد النخب فيما بعد، فلماذا لا يصبح لدينا أكثر من محمد صلاح؟ ولماذا لا تكون لدينا سينما عالمية تضاهي هوليوود وبوليوود؟ ونحن نمتلك الإرث السينمائي الطويل والتاريخ الرياضي الحافل.

يبقى فقط أن تمتد هذه المبادرات الخلاقة على استقامتها لتصل إلى المثقفين والشعراء والأدباء والروائيين والفنانين التشكيليين ومد العون لهم لتمكينهم من تحقيق الإبداع والتميز، ولم لا! فنحن أبناء وأحفاد رائد التنوير الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد ونجيب محفوظ، ومن قبلهم رفاعة الطهطاوي وعبدالرحمن الكواكبي والإمام محمد عبده والإمام الشيخ محمد المراغي، ورواد التنوير في مطلع القرن العشرين.


المثقفون يعانون من ضنك العيش وصعوبة الحياة وندرة المؤسسات الحاضنة والراعية لإنتاجهم الأدبي والفني، وهو ما يجعلنا نأمل أن تمتد رسالة المتحدة للخدمات الإعلامية إلى هؤلاء المثقفين عن طريق المؤسسات المتخصصة بحيث تضمن لهم منابر دائمة للتخلق والتألق وإعادة البعث من جديد.

كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية