العدد 5219
السبت 28 يناير 2023
banner
فضاءات سياسية رضي السماك
رضي السماك
المردي.. قطب الصحافة البحرينية
السبت 28 يناير 2023

نظم مركز عبدالرحمن كانو الثقافي أوائل الشهر الجاري ندوة قيّمة بعنوان "محمود المردي.. قطب الصحافة البحرينية"، قدمها وأدارها رئيس مجلس إدارة مركز عبدالرحمن كانو، رئيس تحرير فصلية "الثقافة الشعبية" الشاعر الكبير الأستاذ علي عبدالله خليفة، حيث كانت له مداخلات مهمة أثناء إدارته الحوار، وشارك في الندوة الزميل الأستاذ مؤنس المردي رئيس التحرير بورقة بحثية عن مسيرة المرحوم والده. أما من أبرز المداخلات فقد كانت لكل من: الأستاذ عبدالنبي الشعلة، رئيس مجلس إدارة صحيفة البلاد، والدكتور منصور سرحان، والأستاذ يوسف صلاح الدين، والدكتور عدنان بومطيع، فضلا عن مداخلات أخرى وردت في تغطية الزميل أسامة الماجد لتلك الأمسية الجميلة (راجع "البلاد" 5 يناير الجاري)، وسنحاول تالياً تسليط الضوء على بعض النقاط المهمة التي تضمنت بعض المداخلات.

جاءت ورقة الأستاذ مؤنس المردي بأسلوب جديد لرصد تطور الصحيفة من خلال تتبع تطور الكتابة والقضايا التي شغلت ذهن الفقيد والده في افتتاحيات صحيفتي "الأضواء" و"أخبار الخليج"، وشكر جهود الدكتور منصور سرحان في توثيق تاريخ الصحافة البحرينية التي غطت حقبة طويلة من القرن الماضي وجزءاً من قرننا الحالي. كما تطرق مؤنس لشغف المرحوم والده للمسرح، الذي أخرج مسرحية "لولا المحامي" 1943 للكاتب المسرحي اللبناني سعيد تقي الدين، والنص يتناول الصراع بين رجلين، الأول ابن إقطاعي ثري، والآخر فقير اضطر للهجرة لأميركا. هذا بالإضافة لتولع والده بالأدب والشعر العربي.

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد لمس الشاعر علي عبدالله خليفة بدوره هذه الموهبة الفذة عند المردي منذ بدايات الستينيات وهو لم يزل طفلاً، وذلك إثر إحباطه من عدم نشر مجلة "هنا البحرين" أول قصيدة له تتكون من 24 بيتاً لم ينشر منها سوى أربعة أبيات، دون الإشارة إلى أنه كاتبها، فما كان منه إلا أن قابل رئيس تحريرها الراحل أحمد كمال، الذي أحاله على الفقيد المردي، وكانت مفاجأته الصاعقة بمواهب الأخير الأدبية وتذكيره إياه بشروط صحة القصيدة، وشجعه بالاستمرار في قرض القصيد، ووعده بنشر قصائده القادمة في صحيفة "الأضواء".

وإذ وصف الأستاذ يوسف صلاح الدين في معرض مداخلته وفاته بأنها استشهادية حيث توقف قلبه العامر بعشق الصحافة عشقاً جنونياً وهو في مكتبه، فلم يكن في هذا الوصف مبالغاً أو مجافياً للحقيقة، وهذا ما يذكرني بالكاتب المصري الكبير الراحل أحمد بهاء الدين الذي طلب منه طبيب قلب أميركي ترك مهنة الصحافة إن أراد الشفاء؛ لأنها مهنة قاتلة في منطقة الشرق الأوسط بعد ما اطلع على همومه معها.

وإذا كان الدكتور سرحان قد ركّز في مداخلته على أهمية رقمنة العدد اليتيم الوحيد الذي صدر من صحيفة "الشعلة" التي اُغلقت في يوم صدورها، تحت تأثير نفوذ السلطات الاستعمارية الإنجليزية في الخمسينيات، وهو العدد الذي بادر الأستاذ مؤنس بشرائه في مزاد علني عام 2018 وكان في حالة بالية متهالكة، ولا أحد يعرف كيف سيكون مصير هذا العدد الذي لا يُقدر بثمن، لولا مبادرته بشرائه، فإنه والشعلة، طمأنا سرحان بأن العدد في الحرز المصون، وهو خاضع حالياً للترميم، وأضاف الشعلة مبشراً الجميع بأن العدد سيتم توزيعه في ذكرى وفاة فقيد الصحافة القادمة كملحق لـ "البلاد"، كما تطرق الشعلة إلى العلاقة التي كانت تربطه بالمرحوم الكبير في أواخر الستينيات منذ أن كان يكتب في الأضواء، ووصف شخصية المردي بأنها ذات حضور قوي وكاريزما طاغية.

وأخيراً فقد كانت لكاتب هذه السطور مداخلة ركز فيها على ما كانت تربطه بأخبار الخليج زمن مؤسسها الفقيد المردي من علاقات منذ بدايات تأسيسها، وهو مازال شاباً متخرجاً خلال النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، إذ كنت أراسلها حينئذ باسم مستعار، ومع أنني لم أقابل الفقيد الراحل إلا مرة واحدة صدفةً داخل مقر الصحيفة بشارع المعارض وهو يهم للخروج منها، حيث سألته لحظتها عن مصير مقالي الأخير، واضطررت إطلاعه على اسمي الحقيقي، إلا أنه أحالني على المرحوم الكاتب الصحافي المصري الكبير الأستاذ محمد العزب موسى الذي كان وقتها عند مكتب أحد المحررين، فقرأ مقالي بسرعة فائقة، وقرر في الحال صلاحيته للنشر في "بريد القراء" وطلب نشره في اليوم التالي.

وأستطيع أن أؤكد اليوم أن الفقيد الراحل كان موفقاً جداً في اختيار تلك الثلة الثلاثية من خيرة الكفاءات الصحافية المصرية، العزب موسى ولطفي نصر وأحمد عبدالغني المعروف بحعل باب مكتبه مفتوحاً دائماً لكل المحررين والعاملين في الصحيفة في أي وقت. كما كان معروفاً بصدره الرحب لتقبل الآراء التي تختلف مع قناعاته السياسية، بل يمكن القول إن نجاح المردي الباهر في انتقاء تلك الثلة المصرية من أكفأ الكفاءات المصرية والتي يصعب تعويضها، بنجاح "دائرة المطبوعات" الكويتية أواخر الخمسينيات باختيار كوكبة صحافية من الكفاءات المصرية للمساعدة في تأسيس مجلة "العربي" الكويتية الرائدة.

كما كان الفقيد الراحل المردي حريصاً أشد الحرص على تشجيع واستقطاب الكوادر الصحافية البحرينية الواعدة، وقد تعاونت معه في ذلك الثلة المصرية المؤسسة. ومثلما استقطب كبار الكفاءات الأدبية - بغض النظر عن اتجاهاتهم الفكرية - ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، المرحوم الأديب القاص محمد الماجد، والروائي والمفكر الراحل الصديق عبدالله خليفة، والأديب والكاتب الرياضي الصديق الراحل سلمان الحايكي، فإن هؤلاء أثروا بدورهم "أخبار الخليج"، سواء بتولي بعضهم الإشراف على صفحاتها الثقافية أو بالكتابة الأدبية والسياسية فيها، وتأثروا أيضاً بتطورها في ظل إدارة رئيس التحرير الراحل الكبير المردي الذي هو في الوقت نفسه كان أديباً كبيراً لا يشق له غبار كما أسلفنا.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .