مصيبة جزء مهم من الشباب التسابق على شراء أفخم السيارات، عالية السعر، باهظة التكاليف في صيانتها وتأمينها ووقودها الذي تستهلكه، لقد استدعى هذا الأمر إلى ذاكرتي حديثا دار في حصة مقرر “علم اجتماع التنمية” قبل أكثر من عقدين من الزمن، حيث أبدى مدرس المقرر “البروفيسور يحيى الحداد” استغرابه الشديد من إنفاق بعض الشباب في منطقتنا ما يعادل نحو نصف راتبه الشهري لسنوات، مقابل سيارة لا تعدو أن تكون وسيلة للانتقال والمواصلات! ما عده إهدارًا كبيرًا للمال.

وهذا هو الواقع والحقيقة، فلو فرضنا أن استقطاع هذا القدر من الراتب استمر لمدة ستّ سنوات؛ فإن هذا سيعني أنك عملت ثلاث سنوات كاملة، بكامل راتبك مقابل سيارة! ثلاث سنوات من عمرك، تخرج فيها كلَّ يوم من الصباح الباكر إلى ما بعد الظهر، فقط في ثمن سيارة أغرتك بها سكْرةُ المظاهر، فالسيارة الفخمة اليوم أضحت وسيلة للتباهي و”الفخفخة” الفارغة، وإن أدى ذلك بصاحبها إلى أن يتعثر ماليًا، ويدخل في دهاليز قضايا المحاكم، ولربما صُودرتْ تلك السيارة وبيعت بأبخس الأثمان، ثم يَظَلُّ الشاب يعاني سداد ما في ذمته من دين، وكأنه أصبح يعمل تلك السنوات لصالح مصانع السيارات.

نعم، إن السيارة ضرورة قصوى، لاسيما في ظل وضع المواصلات القائم، لكن ذلك لا يعني أن ترهق نفسك بتحمل ديون ضخمة في سبيل شراء الغالي من السيارات، فهناك الكثير من الخيارات الاقتصادية المتنوعة والمتوفرة في السوق المحلية، وهي خيارات عملية، ذات كفاءة عالية في استهلاك الوقود، وفي قلة أعطالها وحاجتها للصيانة، وتوفر قطع غيارها بأرخص الأسعار، يقول بعض أهل الخبرة: ابحث عن سيارة تحبك، لا عن السيارة التي تحبها أنت وهي ترهقك. نحن في زمن الندرة، وعلى الجميع التعاون في هذا المجال لتوعية الشباب وإنقاذهم من الوقوع في شرك الديون الكبيرة التي ترهق واقعهم اليوم، وتعقّد خططهم المالية المستقبلية، وقد تحرمهم من فرص كثيرة وحاجات أهم في المستقبل القريب، إن انتشار ثقافة الإنفاق المرتفع على السلع الاستهلاكية أمر خطير جدًّا، خصوصًا لفئة الشباب، كونهم في بداية حياتهم، ويؤسسون لعادات ربما تستمر معهم بقية أعمارهم، وإن الوقوع في أية أخطاء من هذا القبيل، ستجعلهم يتجرعون تكاليفَ تُضيّقُ عليهم الخناق المالي لسنوات طويلة.

* كاتب بحريني