العدد 5224
الخميس 02 فبراير 2023
banner
كراهياتٌ متراكمة!
الخميس 02 فبراير 2023

العنف الجسدي لا يظهر فجأة، حتى لو وجد الناس أنفسهم محاصرين بزخات من رصاصِ يخترق أجسادهم، ونيران دخانها الكريه يصل عنان السماء! هنالك المُولِدُ الأولُ الذي يقود إلى العمل الأكثر تطرفاً، فالقتل أو الاغتيال أمورٌ لا تحدث صدفة وكأنها قدرٌ محتوم.
قبل أن يقعَ ذلك هنالك مقدمات عدة، تتم على مدى سنوات، وربما عقود، تتراكم فيها النظرة السلبية تجاه الآخر، نتيجة عوامل مختلفة، تدفع جميعها باتجاه: النبذ، الإقصاء، رفض التعدد، ازدراء المختلف، التحريض عليه، والعمل تالياً على اغتياله معنوياً. القتل الجسدي، هو التمظهر الأكثر دموية للأفكار الأحادية، وهو سلوك تمارسه جهات كالجماعات التكفيرية، أو تنظيمات عقائدية، وحتى بعض غير الدينيين ممن ينتمون لـ “اليسار الجذري”.
لدى الإسلامويين، فإن المُسوغَ يأتي من خلال المنظومة الفقهية التي يرتكز عليها “فقهاء الدم” في تبرير أفعالهم العنيفة. فيما اليساريون الراديكاليون يرفعون أعقاب بنادقهم تحت مظلة “العنف الثوري”. إلا أن الجمهور العام، لا يمارس هذا النوع من القتل المباشر، لأسباب عدة تتعلق باعتبارات اجتماعية أو الخوف أو عدم الرغبة في الإيذاء الأقصى! غير أن رهطاً من ذات الجمهور ينشط في “الاغتيال المعنوي”، عبر تعميم خطاب موجه، لا يناقش أفكار المختلفين، بل يصوب سهامه إلى الأفراد، ويكرس صورة سلبية لهم في الرأي العام، ومع الأيام وعبر هذا “التنميط” الذي يقرُ في “الذاكرة الجماعية” يتم الإجهاز على أي صاحب رأي لا يكون ضمن المنظومة العامة للمجتمع.
“الاغتيال المعنوي” سلوك يجري استسهاله وممارسته في وسائل التواصل الاجتماعي والمجالس، دون أن يرف للمثرثرين جفنٌ، أو ينتبهوا إلى خطورة ما يقومون به، بوصفه عملاً يستبطن العنف في مكنونه، ويعطي المبررات لأية خطوة تالية أشد إيلاماً. التناقض يظهر في أحايين عدة، في أن تشاهد من يرفع شعارات الديمقراطية والتعددية، ويطالب بحقه في التعبير الحر عن رأيه، يوغِلُ في التحريض والشتائمية تجاه المختلف عنه فكرياً، في عملية يعيد بها إنتاج الاستبداد، وهذا مؤشر على خلل عميق في فهم الحرية وممارستها، بل ينذرُ بأن وحشا كاسرا يختبئ خلف ابتسامة الحملِ الوديع!.
*كاتب سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية