العدد 5228
الإثنين 06 فبراير 2023
banner
عزيزي الزعيم جمال عبد الناصر
الإثنين 06 فبراير 2023

كانت محطة ماسبيرو زمان تذيع خطابا لك أعتقد أنه في بداية الستينيات، كانت جودة المادة المعروضة عالية سمحت لي أن أتأمل أناقتك، ومن بين تفاصيل كثيرة توقفت عند المنديل الذي يزين جيب البدلة العلوي.
لا أعرف طبيعة المهارة التي يتطلبها تطبيق المنديل بحيث يطل من جيب جاكيت حضرتك العلوي كسلسلة أهرامات متناسقة، لكن ما أعرفه أن المنديل القماش وارد مصانع المحلة الكبرى وقد انقرض من حياتنا، ونعيش الآن زمن المناديل الورقية. المناديل الورقية عملية جدا وحضرتك تعرف ذلك، لكنها تخلو من العاطفة التي كانت تعبئ المناديل القماش.
أنا شخصيا أرى فيها علامة مميزة لزمن اندثر، تلك المناديل التي كانت قطعة اكسسوار رجالي وحريمي جديرة بالاحترام، والمصنوعة من القطن أو الحريرية المزينة بفصوص من الماس، قطع نقشت عليها فنون وزينت بالحروف الأولى وتعطرت برائحة من نحب على سبيل الذكرى، من أين للمناديل الورقية بشحنة العواطف التي تنثرها المناديل القماش وهي ترفرف في اللحظات التي وُدِع واستُقبل بها الحبايب في المطارات والموانئ، أين لمناديل الجيب المعطرة السحر الذي كان يطل من المناديل التي كانت تتعلق بها قبضة أم كلثوم وهي تغني، ما الذي يمكن أن تدل عليه رصة مناديل ورقية في منزل ما مقارنة برصة مناديل مكوية في الدولاب كدليل على وجود رجل في البيت، سمعت جدي وهو يعلن فخره باحتفاظه بالمنديل الذي غطى مصافحة عقد قرانه قبل خمسين عاما حتى اليوم، وسمعته يسأل الحاضرين إن كان جائزا شرعا أن يستحل أحدهم بنات الناس باتفاق يشهد عليه منديل ورق.
يقول المنطق إن المناديل الورقية تشبه عصرها، زمن استخدام المرة الواحدة، السرعة والإنجاز والتخفف من بعض المسؤوليات، يحتاج المنديل القماش للغسيل والكي والتطريز والتدقيق عند الشراء، يحتاج للمراجعة للتخلص من أية علامات قد تدل على انحراف عن مسار الإخلاص العاطفي، يحتاج للتأكد من قدرته على أن يدل على ذوقك ومكانتك الاجتماعية، صداع تم التخلص منه بسهولة بنوع مناديل لم يعد صالحا لجيب جاكيت زعيم يلقي خطابا لكنه يصلح كقناع للتسول. محبتي.
* كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية