أكثر الوزراء البحرينيين توزيرا بـ 10 حقائب
بالفيديو: عبدالحسين ميرزا.. مسيرة عطاء استمرت 60 عاما
كيف هرب ميرزا من محاولة رهنه لطلب الفدية؟
أول بحريني يتولى منصب مدير ورئيس تنفيذي لشركة “بابكو”
تحمل مسيرة مستشار الشركة الوطنية للنفط والغاز عبدالحسين ميرزا (78 سنة) محطات تاريخية عديدة ودروسا حياتية وعملية تمثل درسًا للأجيال، فالعطاء لا يتوقف عند حدود.
فقد قدم عبدالحسين ميرزا سيرة حياته في كتاب “مسيرتي في سبيل الوطن”، في أمسية إدارية نظمتها جمعية الإداريين البحرينية أمس الأول، إذ لخص ميرزا في سرد تاريخي مذكراته التي وقعت في أكثر من 750 صفحة.
وقضى ميرزا 40 سنة من حياته المهنية في شركة نفط البحرين “بابكو” في حين قضى الـ 20 سنة الأخيرة في أروقة الحكومة ومتنقلا بين المناصب الوزارية، حيث يشير إلى أنه أكثر الوزراء توزيرًا بعشر حقائب أدى فيها كل مرة القسم أمام جلالة الملك المعظم.
البداية
ولد عبدالحسين علي ميرزا في فريج المشبر بمنطقة المخارقة بالمنامة، وذلك في يوم 2 أغسطس 1944 على يد القابلة المعروفة فاطمة الزياني، حيث كان ترتيبه الثالث في عائلته المكونة من 7 إخوة و5 أخوات.
ووالده علي ميرزا المعروف برئيس الشرطة، رجل عصامي خدم في سلك الشرطة لمدة 50 سنة حيث تدرج حتى أصبح عميدًا، وقد ربى أبناءه على الإخلاص والانضباط والولاء للقيادة، وعرف عن علي ميرزا بتمسكه بالنزاهة والقيم القومية.
ويشير ميرزا بفخر إلى أن والده ترك لهم ثروة معنوية كبيرة ولا تقدر بثمن، وهي محبة الناس والسمعة الطيبة التي كانت محل تقدير من قبل القيادة الرشيدة، وتمثل قدوة، مؤكدًا أنه يدين إلى والده وأفراد عائلته بتحقيق النجاح الذي أنجزه.
الطبع الخجول
يشير ميرزا إلى أنه منذ مطلع حياته كان يتسم بالخجل، ورغم ذلك فإنه كان مجدًا في الدراسة الثانوية ليكون ترتيبه الأول حين تخرج منها 1959، إلا أن الحكومة لم تكن حينها تقوم بالابتعاث من القسم التجاري، كما لم توجد جامعات بالبحرين، ما حدا به لطلب مساعدة والده لاستكمال الدراسة الجامعية، وبحكم أن والده ينتمي للسلك العسكري فما كان منه إلا أن يعلمه على الانضباط ويطلب منه العمل أولًا لجمع بعض المال، وهو لم يتجاوز 14 سنة، حيث كان من أصغر الطلبة الذين أنهوا الثانوية، فكانت أول وظيفة له في المحكمة الصغرى الثالثة 1960 بوظيفة كاتب، وفي نفس الوقت عمل للحصول على شهادة بريطانية من المعهد الثقافي البريطاني، حيث عكف على مراسلة الجامعات للحصول على منحة دراسية، فحصل على قبول من جامعة البنجاب في لاهور الباكستانية في تخصص الاقتصاد.
من البحرين لباكستان
وفي العام 1961 غادر عبدالحسين ميرزا البحرين متوجهًا إلى لاهور لاستكمال دراسته الجامعية، وكان يرهب ركوب الطائرات لكنه تغلب على خوفه في سبيل تحصيل العلم، إذ سكن في سكن داخلي في ظروف غير مريحة، ورغم ذلك تمكن من تحقيق التفوق على زملائه قبل أن يعود في صيف العام 1962 لقضاء فترة الإجازة.
وخلال فترة الإجازة التحق للعمل بدوام جزئي في “بابكو” لتدريس اللغة الإنجليزية حيث كان برفقته وزير المالية السابق إبراهيم عبدالكريم، ووزير التجارة السابق حبيب قاسم.
وخلال فترة عمله الصيفي أُعجب به مدير معهد التدريب في بابكو وقدراته وحصوله على شهادات من بريطانيا، وعرض عليه إرساله للدراسة في لندن شريطة التحاقه بـ ”بابكو”، وفعلا بتاريخ 6 سبتمبر 1962 التحق ميرزا رسميا ببابكو موظفا متدربا قبل أن يتم إرساله في العام 1965 للدراسة في لندن على نفقة الشركة، للحصول على شهادة الدبلوم الوطنية وشهادة الزمالة في المحاسبة الإدارية.
العودة من لندن
وفي العام 1971 عاد عبدالحسين ميرزا إلى البحرين بعد إنهائه الدراسة في عاصمة الضباب، وحينها كانت البحرين قد بدأت في استقطاب الاستثمارات المصرفية المقبلة من بيروت إبان فترة الحرب، إذ إن العديد من البنوك العالمية بدأت في تأسيس مقرات لها في البحرين، وقدمت عروضا مغرية لحملة الشهادات خصوصا القادمين من “بابكو”، حيث إن بعض زملائه فضلوا العمل في القطاع المصرفي الذي كان يمنح أجورا تصل إلى 400 دينار مقارنة مع بابكو التي كانت تقدم راتبا شهريا لا يتجاوز 150 دينارا.
ورغم العروض السخية إلا أن ميرزا فضل البقاء في “بابكو” ليبدأ التدرج في المناصب الإدارية وصعود السلم الوظيفي، حيث تدرج في المناصب من رئيس مجموعة إلى مشرف، ثم مدير عام مساعد للشؤون المالية والمعلومات.
وخلال العام 1976 تم اختيار ميرزا ليكون أول موظف ضمن فريق الإدارة الدولية (كالتكس)، حيث كانت الشركة الأميركية تمتلك “بابكو”، ولديها فروع في أكثر من 60 دولة.
سافر ميرزا مع “كالتكس” كمسؤول لعدد من الشركات التابعة للشركة الأميركية في أميركا ومصر وكينيا (نيروبي) ومدغشقر إضافة إلى المكتب الرئيس في نيويورك، حيث اكتسب خلال هذه الفترة خبرة إدارية كبيرة لا تخلو من المغامرات.
خطر الاختطاف لطلب الفدية
يروى ميرزا إحدى مغامراته حين كان في زيارة إلى مدغشقر، حيث طلبت منه الشركة الأميركية مع زميليه، وهما أميركي وأسترالي، كتابة تقرير إداري عن أعمال الشركة هناك، وخلال مكوثه هناك حصل انقلاب عسكري، قام على إثره بتأميم شركات النفط الأجنبية. وطلبت سلطات مدغشقر حينها من شركة “كالتكس” تسديد 80 مليون دولار قيل إنها نتيجة التهرب الضريبي، حيث طلبت منهم الشركة الهرب على الفور بأي طريقة، وكانت أقرب طائرة بجزيرة “ليونيل” حيث تم إدخال زملائه، لكن لم يؤذن له بالدخول وطلبوا منه العودة لمدغشقر، حيث لم يكونوا يعرفون بوجود دولة اسمها البحرين في حينها، قبل أن يقنعهم بأن البحرين تصدر لهم مشتقات نفطية فوافقوا شريطة وجود ضمانات.
وفي 1976 كان ميرزا أول مسؤول تنتدبه “بابكو” للعمل في “كالتكس” بصفة مستشار مالي لكالتكس الشرق الأوسط في مقرها في نيويورك، حيث ترأس فريق العمل المكون من جنسيات غربية وهو أمر لم يكن يحدث من قبل.
كسر احتكار الأميركيين
وفي 1980 عاد ميرزا إلى البحرين ليكون أول مدير عام بحريني في “بابكو”، حيث تولى الشؤون المالية والقانونية في الشركة، والتي كانت حكرا على الجنسية الأميركية، إذ كان هذا المنصب يجمع جميع الأسرار المالية والقانونية في الشركة.
تقليص تكاليف “بابكو”
وفي العام 1983 مر عبدالحسين ميرزا بمرحلة حساسة في عمله في “بابكو”، حيث طلبت منه الإدارة تقليص النفقات مع أزمة انهيار النفط حينها، ومنها التخلص من بعض الخدمات مثل مدرسة بابكو، مستشفى عوالي، وخدمات المواصلات وخدمات المالية.
فبدأ في تعهيد بعض هذه الخدمات مثل خدمة الحافلات، إذ كانت تمتلك “بابكو” نحو 600 حافلة للنقل، كما تم تعهيد بعض الخدمات إلى شركة “جواد” و ”بنك البحرين الوطني”.
كما تم فتح المستشفى للعلاج لغير الموظفين وتدريب مبتعثين من أرامكو، وذلك لتحقيق الإيرادات، وتلافي إغلاق منشآت التدريب والمستشفى.
وتقديرا لإنجازه في خفض النفقات، تم تنصيب ميرزا ليكون أول بحريني يتولى الرئيس التنفيذي لشركة “بابكو” وذلك في العام 1998.
نقلة نوعية
يسلط ميرزا الضوء على ما وصفه بالنقلة النوعية، حين شرفه صاحب الجلالة عاهل البلاد المعظم بتعيينه وزيرا للدولة في العام 2002، حيث كان مدير مكتبه حينها رئيس البرلمان العربي حاليا عادل العسومي.
ويسرد ميرزا تجربته مع إنشاء مجلس المناقصات والذي كان أيضا نقلة نوعية كبيرة في العمل الحكومي والتعامل مع العقود الحكومية، فبدأ بالعمل على تأسيسه في العام 2003 من مكتب متواضع في “التسجيل العقاري” ثم مركز المعارض، ليرفع من مستوى البحرين في مؤشرات الشفافية والنزاهة. وأوضح أن المجلس استطاع توفير ملايين الدنانير للحكومة، وأصبح المقاولون يطلعون على عروض بعضهم البعض بشفافية، ما رفع حدة المنافسة، وحدا بهم لتقديم أفضل الأسعار.
مشروع إنشاء هيئة النفط والغاز
ورغم زحمة عمله الحكومي، لم يتوقف ميزرا عن استكمال دراساته الجامعية العليا ليحصل على شهادة الدكتوراه في العام 2003 من جامعة “ميدلسيس” في موضوع إدارة التغيير.
وفي 2005 عين ميرزا ليكون وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء حيث كان مسؤول عن التنسيق للأجندة والموضوعات المطروحة أمام مجلس الوزراء.
وفي نفس العام طلب منه جلالة الملك المعظم إعداد تصور عن تطوير وتنشيط قطاع النفط والغاز بحكم خبرته في “بابكو”، حيث قدم ميرزا لجلالته مقترحين كان من بينهما إنشاء هيئة النفط والغاز والتي وافق عليها جلالته.
وعمل ميرزا على تكوين مجلس إدارة للهيئة من “التكنوقراط” من بينهم رؤساء تنفيذيون للشركات النفطية و ”البا” ومحافظ مصرف البحرين المركزي ومسؤول في “كالتكس”.
وأشار إلى أن مجلس الإدارة عمل على تأسيس نهضة من المشروعات النفطية التي ترى اليوم، وخلق عدد من الشركات النفطية من بينها شركة “تطوير للبترول” وتوسعة غاز البحرين الوطنية، وشركة البحرين لزيوت التشحيم، وشركة وقود الطائرات، الأمر الذي ساهم في جذب شركات عالمية وتحقيق نجاحات متوالية في مجال التنقيب.
وأوضح أن الاستراتيجية النفطية التي وضعها في 2005، عرضت 3 أهداف استراتيجية بمشروعات بلغ مجموعها 14.
واستعرض ميرزا دوره في تأسيس هيئة الطاقة المستدامة، التي قامت بالعديد من المشروعات، والتي تم من خلالها وضع هدف رسمي لبلوغه، والكثير من المشروعات وافتتاح مصنعين لصناعة الألواح الشمسية.
وألف ميرزا خلال مسيرته المهنية 4 كتب ونشط في العديد من الجمعيات والأعمال الخيرية، ولم تتوقف مسيرته المهنية عند ذلك، حيث اختاره ممثل جلالة الملك للأعمال الانسانية وشؤون الشباب رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للنفط والغاز سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ليكون مستشارًا لمجلس إدارة الشركة.
التطوير يتطلب تغيير
وفي ختام الأمسية الإدارية، قدم ميرزا خلاصة تجربته، مشيرا إلى أن التطوير لا بد أن يأتي من التغيير، مبينا أن تحقيق النجاح في مسيرته لم يكن ليأتي بعمله الفردي ولكن مع وجود فريق من المسؤولين والخبراء يعملون ضمن روح الفريق الواحد.
كما أكد ضرورة التحلي بالصبر والمثابرة لتحقيق الأهداف وجعلها واقعا، مشيرًا إلى أن في البحرين قيادة رشيدة تعطي الفرصة للكفاءات مهما كانت مستوياتهم الاجتماعية والعلمية.