العدد 5238
الخميس 16 فبراير 2023
banner
نحبس أنفسنا في قمقم الحاجة.. لينطلق الأبناء كالمارد
الخميس 16 فبراير 2023

كتب يوجين أونيل على لسان أحد أبطال مسرحيته “الكبير بروان”: “لقد أحببت، وكسبت وخسرت، وغنيت وبكيت، وكنت عاشقا للحياة.. ولقد كفيتها حاجتها، فلئن كانت قد خرجت عن طاعتي اليوم فما ذلك إلا لأنني أضعف من أن أبقيها في عصمتي، فليس يكفي الحياة أن تكون مخلوقها بل عليك أن تكون خالقها وإلا سألتك أن تردي نفسك موارد الهلاك”.
حياتنا بمثابة الحدس الدرامي البسيط الذي لابد لنا من أن ننفذ منه إلى تذوق فنه وتفهم شخصيته، بل إن حياتنا حياة درامية حقيقة ومجازا، تراجيديا نسير معها إلى المجهول الذي لا حدود له، وأيامنا كدقات الطبول، حتى أن الفيلسوف جورج سميل يقول “إننا نحاول القبض على زمام الحياة في جوهرها ولكن بدون مضمونها”. 
بعد تخرجنا من الثانوية العامة وحتى الجامعة اعتقدنا أننا نملك قوى سحرية هائلة تتمثل في راحة البال وتكوين أسرة، وبعدها بدأت أنشودة أبولو الدرامية في إنجاب الأبناء حيث معهم يعود الربيع حاملا تاج الحياة المتوهج بالمجد، وبعد مرور سنوات يكبر الأبناء في حياة تطلب المزيد من السرعة وعدم التوقف، حياة تطوي كل من يقف في طريقها فارضة وجودها، ومن ثم يخرج العمل في صورته النهائية، والمتمثل في دخول الأبناء الجامعة والتعامل مع منطق الحساب والمصاريف وما تخلقه من أحداث، ويتوه رب الأسرة “من ذوي الدخل المحدود” في عالم الأرقام والافتراضات، ويشعر حينها أنها لحظة بشرية حرجة تحتاج إلى صبر وكبت وتحكم وتعقل، وينسى الألم الذي يغلي في باطنه ولا يبين للأبناء أي أثر لضيق الصدر، وبعدها يأتي التحول الواسع في ازدياد طلبات الأبناء والوالد لا يتردد مطلقا وينطلق دونما حدود بوحشية بشعة يصارع الكون لتلبية طلبات وأمنيات الأبناء، حتى أنه يحبس نفسه في قمقم الحاجة، لينطلق ابنه كالمارد فرحا.
في نهاية المطاف.. كل واحد منا بطل مسرحيته، والأحمق الذي يعترض على المؤلف والمخرج.. القدر والمصير!.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية